كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
في ظاهرة لم يألفها القصرُ الجمهوري سابقاً يُعقد مؤتمر عن القضاء قريباً تحت عنوان «نحو عدالة أفضل». وفيما حُدِد أكثر من موعد لهذا المؤتمر، فإنّ المعلومات تفيد أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يفتح أبواب القصر لأصحاب الاختصاص إلّا بعد إنجاز التشكيلات القضائية التي تروّج دوائر بعبدا أنها ستكون «مفاجِئة للجميع»!
«براءة» إختراع المؤتمر تعود لعون وحده. الدعوة ستشمل القضاة وعدداً من الوزراء وأصحاب الاختصاص وممثلين عن الاجهزة الامنية وصولاً الى ممثلي المجتمع المدني. ويؤكد أحد الوزراء المواكبين الاساسيين لتحضيرات المؤتمر، «أنه يشكّل سابقة في تناول رئيس الجمهورية
لـ«مصير» سلطة دستورية بكاملها، وسيخرج المؤتمر بتوصيات في موازاة مشاريع قوانين باتت مُنجزة وتتعلق مباشرة باستقلالية القضاء وعمل المحاكم ومحاور أساسية في عمل القضاء».
عملياً ستشارك في المؤتمر «دفعة» من طاقم قضائي جديد من الذين ستشملهم تعيينات قضائية مرتقبة. أما أبرز مراكز الشغور فهي: النيابة العامة التمييزية، رئاسة مجلس الشورى، المدير العام لوزارة العمل، قاضي التحقيق العسكري الاول، رئيس وأعضاء المجلس الدستوري، هيئة التشريع والاستشارات…
وإضافة الى التعيينات التي تصدر عن مجلس الوزراء بغالبية الثلثين ستشمل المناقلات مواقع عدة يصفها بعض المتابعين بـ«عملية تطهير» محدودة فيما بعض المراكز، ومنها تلك المعروفة بحساسيتها السياسية، قد يشملها «التغيير والاصلاح» إستناداً الى أداء القضاة فيها خلال المرحلة الماضية… مع ذلك، يشكّك كثيرون في إمكانية صدور تشكيلات تحتاج الى توافق سياسي كبير قد لا يكون متوافراً حالياً.
وتقول مصادر عون: «لن تكون هناك تشكيلات سياسية أو حزبية على الاطلاق، وهو الامر الذي يسهر عليه رئيس الجمهورية وقد أبلغ الى كل مَن يفاتحه في الموضوع أنّ «لوائح القضاة» ممّن يصّنفون بأنهم قريبون منه، أو يضعون صوره في منازلهم، لا تعنيه أبداً»، مؤكدة «أنّ التشكيلات ستُحدث نفضة قضائية، خصوصاً أنها تتزامن مع فتح ملفات فساد في الجسم القضائي». وتضيف: «الفريق الموجود في السلطة اليوم سيأتي بفريق لا لون سياسياً له، ولذلك فالأسماء ستشكّل مفاجأة للبعض وسيُحكم عليها إذا كانت توحي بالثقة أم لا، لكن كل ذلك مرهون بقدرة الرئيس على تنفيذ مخططه الإصلاحي في آلية اختيار الأسماء».
وتفيد معلومات في هذا السياق، أنّ بعض القضاة ممَّن يرتبط عملهم مباشرة اليوم بملف «الفساد القضائي» المفتوح في قصور العدل، ستشملهم هذه التشكيلات خصوصاً أنّ هناك قضاةً أُحيلوا أخيراً الى المجلس التأديبي، والبعض منهم كان من ضمن «التركيبة القضائية» التي واكبت إنطلاقة العهد.
وفيما يبدو أنّ تعيين قاض يخلف سمير حمود في النيابة العامة التمييزية هو الأكثر إلحاحاً بفعل إحالته الى التقاعد، إلّا أنّ مطّلعين يشيرون الى أنّ مجلس الوزراء قد يعيّن رئيساً جديداً لمجلس القضاء الاعلى يخلف القاضي جان فهد الذي يشغل موقعه منذ العام 2012، مع العلم أنّ الاخير هو أحد المشاركين الأساسيين في التحضير لمؤتمر القضاء في قصر بعبدا.
وفي هذه الحال يتمّ تعيين رئيس جديد لمجلس القضاء الاعلى بأكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، ويسبقه على الارجح تعيينُ المدعي العام التمييزي الذي هو من الأعضاء العشرة لمجلس القضاء الاعلى، فيما تفيد معطيات أن لا تغيير سيطاول التفتيش القضائي برئاسة القاضي بركان سعد. وبعد إكتمال تركيبته يعكف مجلس القضاء على درس التشكيلات التي لن تكون بالتأكيد في حجم تشكيلات 2017 الواسعة، وستشمل المواقع الشاغرة، ومناقلات، وانتدابات لنحو 70 قاضياً… والآلية تفرض رفع اللوائح الى وزير العدل الذي بدوره يرفعها الى رئاسة الحكومة ويوقعها الوزراء المختصون فيما التوقيع النهائي لرئيس الجمهورية.
ويقرّ أحد القضاة البارزين الذي أُحيل أخيراً الى التقاعد «أنّ التشكيلات الماضية طغت عليها صبغة سياسية في عدد من المواقع، فيما أبقي على عدد من القضاة في مواقعهم خلافاً لإرادة أعضاء مجلس القضاء الاعلى».
ويضيف: «للصراحة لا يجب لوم السياسيين، فالمسوؤلية الأكبر تقع على عاتق مجلس القضاء الأعلى فلو أظهر مقداراً أكبر من التماسك أمام الضغوط السياسية لربما صدرت تشكيلات «نظيفة» تحترم معياري الدرجات والكفاية بمقدار كبير، وما يحصل اليوم من ملاحقات لقضاة شملتهم هذه المناقلات أكبر دليل على ذلك»، مؤكداً «أنّ التحدي الأكبر أمام التشكيلات القضائية المقبلة هو إبعاد السلطة السياسة نفسها عن مجلس القضاء الاعلى ليلعب الدور المطلوب منه بعيداً من «عقلية» تدوير الزوايا».