على اهمية الملفات المطروحة على الساحة الداخلية تمهيداً لبتها في الأيام المقبلة، تبقى المخاوف الجدّية محصورة بالهجمة التي قادها وزير الإقتصاد منصور بطيش ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الى ان تنتهي عملية البحث في خلفياتها والمفاعيل المترتبة جراءها، علما انها بقيت محصورة بمواقف بطيش دون غيره من زملائه الوزراء ومسؤولي التيار الوطني الحر، وهو الذي كان يعتقد كما تقول مصادر مطّلعة لـ”المركزية”، في يوم من الأيام انه بات على مسافة قصيرة من ان يتولى حاكمية مصرف لبنان، قبل ان تتضافر الجهود لدعم قرار التمديد لسلامة في موقعه قبل عامين.
وعلى رغم حجم الرسالة المدوية التي تركتها عملية التملص التي عبر عنها مسؤولو التيار الوطني الحر ومن يدور في فلكهم من الحلفاء، من مواقف بطيش تجاه سلامة، فإن المراجع الإقتصادية والمالية لم تغير رأيها في تقدير حجم المخاطر المترتبة على هذه الحملة على اكثر من مستوى. ولا سيما عند قرأتها في شكلها ومضمونها والتوقيت الذي اعتمده وزير الإقتصاد رغم حجم الملفات الواجب عليه مواجهتها قبل إبداء الرأي في موضوع مطوي، من دون اي مبرر، سوى ما حملته الإتهامات المباشرة والفورية التي عبر عنها العارفون بالكثير من التفاصيل، وكان اقلها القول انه حاول العودة الى نبش دفاتر الماضي التي اقفلت الى غير رجعة، لا لسبب الا للشخصي.
فالجميع يدرك وفق المصادر ان بطيش كان مرشح العهد لتسلم مهام حاكمية مصرف لبنان، لكن أصحاب الفكرة تراجعوا عنها وباتت من الماضي بعد الإجماع الذي تحقق داخليا وخارجيا على مسألة التمديد لسلامة، الذي اقترب من ان يمضي عقده الثالث في المصرف المركزي من دون انقطاع رغم كم الأصوات التي تعالت في فترات متقطعة لتنحيته وابعاده عن الموقع.
وعليه، ومن دون العودة الى الماضي، توقفت مراجع اقتصادية ومالية عبر “المركزية”، عند بعض الملاحظات في التوقيت الذي اعتمده بطيش وفي الشكل كما في المضمون واشارت الى الاتي:
-في التوقيت لم يكن مناسبا ان يفتح بطيش ملفا من هذا النوع طوي قبل عامين، وانتقل تعويضا عما لم يحظً به، الى موقعه في وزارة الإقتصاد، ولو لم يكن من الذين خسروا تلك المواجهة لما وصل الى ما وصل اليه، في مرحلة ظهر جليا ان امامه سلسلة من الملفات عليه متابعتها، ولا سيما على مستوى مراقبة التطورات الإقتصادية وتعزيز الرقابة على الأسعار والجودة في ما يتناوله اللبنانيون وفواتير المولدات الكهربائية وغيرها من الملفات التي تعني وتلامس هموم اللبنانيين اليومية في صحتهم ومداخيلهم، كما بالنسبة الى ما هو مطلوب منه من استقرار في الأسواق ومراقبة اعمال التهريب والإتجار بالمواد الفاسدة.
اما في المضمون، فقد تجاوزت البلاد ما بادر الى طرحه من انتقاد للسياسات المالية والنقدية التي فرضتها الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة على لبنان والمنطقة. فلم يظهر ان هناك من شاركه او ايده في ملاحظاته. فالمرحلة تفرض على اللبنانيين في كل المواقع وخصوصا في الموقع الذي هو فيه، ان يرفع من حجم التنسيق المطلوب بين الوزارات المعنية في تطبيق ما هو مطلوب من الحكومة على مستوى مكافحة الفساد المستشري فيها وفي المؤسسات العامة والهيئات المستقلة وصولا الى ما تبين منه في السلكين الأمني والقضائي.
وتعتبر المصادر، ان كان على بطيش ان يتفهم ما آلت اليه محاولات بعض المسؤولين لتجاوز دور مصرف لبنان في ما هو قادر على توفيره من استقرار مالي واقتصادي، ايا كانت كلفته في هذه المرحلة بالذات، واضطرارهم الى اعادة احياء كل وسائل التواصل والتعاون معه في توفير حاجات الدولة اللبنانية من عمليات الإقراض لتوفير السيولة التي احتاجتها في اكثر من مجال ومن ابواب الإنفاق.
فهو الذي يمسك بناصية إدارة الملف النقدي في البلاد والأسواق المالية ومراقبة القطاع المصرفي منعا للمحاولات التي تلاحقت للخروج على برامج العقوبات الأميركية والدولية قبل التلاعب باسعار العملة الوطنية والمس بحجم الإستقرار المحقق على هذه المستويات، والتي شكلت أبرز الوسائل المعتمدة للتفرغ للإمساك بالملف الأمني في البلاد ومنع الهزات التي ضربت القطاع في مراحل عدة خلال الإستحقاقات التي عبرتها نتيجة الرعاية الدولية الكبرى وملاقاتها بالإجراءات التي رسخت الأمن الإجتماعي حفاظا على الأمن الأمني على رغم وجود البلاد في عمق الأزمات الدولية التي عصفت بالمنطقة وبقي لبنان خارج مدارها، من دون ان يتأثر بحجم الترددات التي تركتها وانعكاسات ملف النازحين السوريين في لبنان والمخططات التي تمت مواجهتها لإستغلالهم في اعمال ارهابية وتخريبية واقتصادية واجتماعية في الداخل اللبناني.
بناء على ما تقدم، تدور في الاوساط السياسية تساؤلات ازاء ما تردد عن ان رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، لم يكن راضيا عن مواقف بطيش وانه وجه اليه انتقادات جراء ما اقدم عليه، خصوصا انه احرجه عندما أكد في مؤتمره الصحافي انه يتحدث من موقعه الحكومي كوزير للإقتصاد ومن موقعه الحزبي المنتمي الى لائحة وزراء التيار الوطني الحر في الحكومة من دون تردد.
كل ذلك جرى على وقع معلومات ترددت بأن باسيل طلب الى جميع مسؤولي التيار عدم المشاركة في هذه الحملة، بعدما تلقى بصدره التداعيات السلبية التي خلفتها من اكثر من موقع، وخصوصا من اطراف التسوية السياسية، وهو ما ابقى على الاستقرار المالي في الساعات التي اعقبت مواقف بطيش، خصوصا انها لم تلق اي رد فعل لدى حاكمية مصرف لبنان التي احتفظت برباطة جأش قادت الى اهمال ما صدر عنه، طالما انه بقي موقفا لا يتعدى صفته الشخصية بعيدا من انتماءآته السياسية والحزبية والحكومية.