كُتب في صحيفة “الجمهورية”:
لطالما شعر أبناء مدينة طرابلس بالغربة عن أحضان الوطن، لاسيّما في الإستحقاقات الدقيقة التي واجهتها المدينة، يشعر مجدّداً الطرابلسيون اليوم بحالة إنفصال عن الدولة، فيما هي «حالة متبادلة» إن لم نقل «شعوراً متبادلاً» بين لبنان وطرابلس، يقول فيها طرفٌ للآخر «لكَ همّك ولي همّي»
هكذا بكل بساطة تبدو الصورة الإنتخابية التي تفصل هَمّ طرابلس أقلّه في المرحلة الحالية ،عن هموم لبنان الضاغطة «ماليّاً» وليس «انتخابيّاً».
في هذا السياق، لفتنا سؤال بعض المواطنين اللبنانيين العاديين، غير الملمّين بالأصول الديمقراطية ولا بعمق الأزمة الإقتصادية، عن جدوى هذا الإستحقاق؟ فطرحنا السؤالين على بعض المرشحّين وعلى المعنيين.
يكشف الخبراء الماليون عن تكلفة الإنتخابات الفرعية في طرابلس بالقول، إنّها ستبلغ قرابة الـ8 ملايين دولار، في وقت ينوء لبنان تحت ضغط العجز المالي وتحذيرات البنك الدولي، فيما اللبنانيون يعانون من ضغوط تهديدات السياسيين الذين يلوّحون بالسواد الأعظم.
تساؤلات كثيرة تُطرح عن ظروف هذا الإستحقاق الشمالي المباغت، الذي فاجأ أركان الدولة قبل أن يفاجىء الطرابلسيين، بدءاً بقبول المجلس الدستوري الطعن بنيابة المرشحة الثابتة لتيار «المستقبل» ديما محمد الجمالي وصولاً الى «الإخراج» الدستوري لإعادة تثبيت نيابتها، وغيرها من التساؤلات البريئة للبعض ممّن فاته الهدف الفعلي لترشّح ثمانية «فدائيين» على المقعد النيابي السنّي الخامس، والذين سيكلّفون خزينة الدولة المنهكة 8 ملايين دولار.
فمن هم المرشحون الثمانية؟
- ديما محمد رشيد جمّالي
مرشحة تيّار «المستقبل»، مجازة في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركيّة، فازت في الإنتخابات النيابية بحصولها على 2000 صوت تفضيليّ. هي المرشحة الأبرز اليوم على الساحة الطرابلسية، مدعومة من الماكينات الإنتخابية الأبرز في المدينة (ميقاتي، الصفدي، محمد كبارة). ووفق حسابات المطّلعين في المدينة، من المفترض تخطّيها الـ20 الف صوت في المعركة السهلة، في وقت تواجه جمّالي أيضاً في هذه المرحلة الدقيقة معركة غير سهلة أمام مجلس الشورى، الذي تقدّم بالإدّعاء عليها بعدما تسرّب عنها فيديو مصوّر تتهم فيه المجلس بتقاضيه الرشوة قبل 24 ساعة من قبوله الطعن في نيابتها.
- محمّد مصباح عوني الأحدب
النائب الوسيم السابق تمكّن من مفاجأة الشارع الطرابلسي بعدما ترشّح منفرداً وحقّق رقماً قياسيّاً في الإنتخابات النيابية في دورتي 1996 و2000 .الأحدب ماضٍ بترشّحه مهما كانت نتائجها، فالأرقام حسب قوله ليست مهمّة لأنه يعلم مسبقاً أنّ النتائج السابقة كانت مزوّرة، مستنداً الى تصريح القاضي في مجلس شورى الدولة الدكتورأنطوان مسرّة، الذي أعلن شكوكه بنزاهة نتائج انتخابات 2018 من داخل مجلس شورى الدولة.
- يحيَ كمال مولود
مهندس كهربائي، مدير شركة تُعنى بإنتاج الطاقة الكهربائية، ناشط في العمل السياسي ومعارض مدعوم من الحراك المدني ومن النائب بولا يعقوبيان. يقول لـ»الجمهورية»، انّ خطوته المستقلة بالترشح الى الإنتخابات الفرعية لا يمكن إدراجها في خانة الهدر لأموال الدولة بسبب تكبدّها، مقابل ترشّح المستقلّين ما يقارب الـ8 ملايين دولار مصاريف، لأنها بالأساس غير مسؤولة عن تفاقم هذا العجز الذي تراكم منذ عشرات السنين. والأصح القول إنّ السلطة الحالية هي من تسبّب بهذا العجز، ولذلك لا ينبغي إلقاء اللوم على ترشح المستقلّين الذي ننشد فيه التغيير والإصلاح، بعدما اتضح عجز السلطة الحالية عن الأمر. امّا عن تزامن موعد الإنتخابات مع أحد الشعانين لدى الطوائف الغربية فيعلّق مولود، «هو ليس الخطأ الوحيد لهذه السلطة، ولذلك ترشحي هو بوجه هذه الطبقة السياسية التي اوصلتنا الى هذه المرحلة … ومن حقنا ان نتمثّل».
- طلال محمد علي كبارة
كان مسؤولاً لشؤون الخدمات في مكتب النائب محمد كبّارة منذ العام 1996 ثم انتقل للعمل في القطاع الخاص فاستثمر «عزمي كافيه» وسافر الى السعودية.
- عمر خالد السيّد
مراسل «المؤسسة اللبنانية للإرسال» في طرابلس وناشط إجتماعي، نسج علاقات جيّدة مع قادة المحاور إبّان جولات الإقتتال في طرابلس. خاض مؤخراً حملة «حرّاس المدينة» للإحتجاج على بناء مرآب التل.
- محمود ابراهيم الصمدي
يُعرف عنه امتلاكه مقهى في ساحة الكورة. ويدّعي بأنّه مرشّح المجتمع المدني.
- نزار أحمد زكّا
تمّ تثبيت ترشيح زكّا من قِبل مجلس شورى الدولة بالرغم من كونه غيابياً بسبب إحتجازه القسري في إيران.
- حامد عمر عمشه
يبقى ترشح هذا الأسم اللغز الأكبر في بورصة المرشحين على الإنتخابات الفرعية، إذ بقي مجهولاً تماماً في طرابلس بالرغم من محاولات التقصّي عنه.
ويشكّل ترشّحه لغزاً في الوسط الطرابلسي والإعلامي، في وقت أفادت معلومات شحيحة بأنّ أصوله من البقاع واسباب ترشحه مجهولة حتى الساعة.
أما بالنسبة لباقي المرشحين فلكل منهم حسابات مختلفة، لاسيّما من انسحب منهم.
يقول العارفون من أبناء المدينة، أن تيّار المستقبل «لعبها منيح» بتركيزه على تأمين إنسحاب «صقور المستقبل» (ريفي وعلوش) من المعركة، التي أصبحت أكثر سهولة على مرشّحته «الحديثة النعمة» في السياسة. فيما أقنع لاحقاً التيّار الأزرق النائب محمد كبّارة العزوف عن الإستقالة، لمصلحة نجله كريم، بعد لقاء ودّي للأخير برئيس الحكومة « اليّ بيمون».
أما النائبة المغمورة التي تخطّت الخطوط الحمراء في تسديد «الفاولات» وليس «الأهداف» في مرمى تيّار المستقبل المُحرج من تصاريحها هي مدعومة حتى اللحظة إفتراضيّاً من حلفاء الرئيس الحريري في وقت تترقب الدعم العملي لعمل ماكيناتهم الإنتخابية «وغَلّتها» في صناديق الإقتراع، في الوقت الذي اقتصر دعم «الحلفاء الأقوياء» حتى الساعة على خطابين لكل منهما أمام ماكيناتهما الإنتخابية، فدعا الرئيس ميقاتي أنصاره دعم مرشحة حليفه السيدة ديما جمّالي، علماً إنّها المرة الأولى التي يدعم ميقاتي جمّالي بتسميتها علناً، مؤكّداً عاداته الايفاء بوعوده. كذلك فعل الوزير السابق محمد الصفدي تزامناً مع إطلاق أعمال ماكينته اللوجستيّة حين أكّد مجدّداً الإلتزام بخيار الرئيس الحريري.
بعد انسحاب المرشح سامر كبارة من المعركة الإنتخابية في الساعات الأخيرة لإقفال باب الترشيحات، تتحضّر طرابلس في 14 الجاري للعملية الإنتخابية التي حسمت وزارة الداخلية تاريخها.
الموارنة يستنكرون!
الا أنّ اللبنانيين المؤمنين بضرورة سلوك العملية الإنتخابية المسار الديمقراطي المتساوي للناخب اللبناني، ولاسيّما منهم أبناء الطائفة المارونية والمتجذرين منذ عقود في مدينة الفيحاء، استنكروا تزامن الاستحقاق الإنتخابي مع تاريخ إحتفالاتهم بأحد الشعانين الذي يصادف في اليوم نفسه من تاريخ الإنتخاب. في المقابل تلقّف اعتراضهم الوزير السابق والنائب الحالي جان عبيد، وهو الممثل الرسمي للطائفة في المدينة، فأبدى تفهّماً وتأييداً لموقفهم، فبادر وفي لفتة داعمة لناخبيه عبّر فيها من خلال «الجمهورية» عن إعتراضه طارحاً السؤال، «هل كان من الضروري في وقت تتهافت فيه المذاهب والطوائف والأديان وتختلف، بدل أن تُقدم على التفاهم مع بعضها، هل كان من الضروري أن يكون يوم الإنتخاب في عيد الشعانين لدى الطوائف الكاثوليكيّة بما فيها الموارنة ؟ وهل الدولة هي بغنى فعلاً عن إقبال المؤمنين على الإحتفال بعيد الشعانين مقابل الذهاب الى الإقتراع مع عائلاتها في هذا اليوم بالذات؟». وأضاف عبيد: «لم نكن ولن نكون إطلاقاً مذهبيين ونحن وطنيّون وعلمانيّون ومؤمنون. فالأولى والأحكم والأحرص على جذب الناس الى الإنتخاب كان في تعيين يوم الإقتراع في يوم آخر غير عيد الشعانين»، لافتاً الى أن «الناخب المسيحي ولو لم تتعدَّ أصواته في المدينة 1500 ناخب، تبقى مشاركته في عمليّة الإقتراع عمليّة معنويّة وليست عدديّة». موضحاً أن تاريخ الرابع عشر من نيسان المصادف يوم الأحد المقبل هو يوم مقدّس تبدأ فيه أولى أيام الجمعة الحزينة لدى الطوائف التابعة للتقويم الغربي. فيما تساءلت أصوات أخرى معترضة من ضمنها بعض المرشحين عن السبب الذي منع تحديد يوم السبت الذي يُعتبر أيضاً يوم عطلة رسمية موعداً للإستحقاق بدلاً من يوم الأحد.
أمّا المقولة التي لفتتنا لأحد حكماء المدينة العريقة، أن أهم ما في المعركة الإنتخابية المقبلة انّها ليست معركة تحدٍ لرفع نسبة الإقتراع وليست معركة أرقام، بل هي إستفتاء يجريه تيّار المستقبل للحلفاء المفترضين ويختبر فيه سعد الحريري تحديداً مقدار التزامهم ووفائهم في صناديق الإقتراع .