دخل لبنان السنة الثانية على مقررات مؤتمر “سيدر” الذي عُقد قبل عام في العاصمة الفرنسية باريس، والعلامة الفارقة الواضحة هي أن سنة مرّت من دون أي تطوّر يُذكر من الجانب اللبناني، لناحية تطبيق الموجبات التي التزم بها بموجب المقررات الصادرة عن “سيدر”، ولعل موقف البنك الدولي يلخّص الواقع حين أكد أن “الإصلاحات في لبنان لم ترتقِ إلى المستوى المرتقب”، وكان يمكن للبنك الدولي أن يقول إن لبنان يحاول مواكبة مقررات “سيدر” نظرياً وليس عملياً، أي أن كل ما فعله لبنان حتى اليوم هو إصدار بعض القوانين التي طالب بها “سيدر”، من دون أن تصبح هذه القوانين موضع تطبيق فعلي.
عملياً يدرك المسؤولون أنه، ومهما أصدر مجلس النواب من قوانين مشكوراً، فإن هذه القوانين تبقى من دون أي قيمة فعلية ما لم تقترن بالتزام السلطة التنفيذية، أي الحكومة، بتطبيقها.
أما المفارقة الكبرى فهي أنه منذ انعقاد “سيدر” وحتى اليوم، اي منذ أكثر من سنة، لم تُقرّ موازنة جديدة في لبنان، موازنة الـ2019 التي كان يُفترض قانوناً أن تُقرّ قبل نهاية الـ2018 على الأقل، كما أن المعنيين لم ينهوا الجدال حول جنس الملائكة في قطاع الكهرباء، هذا القطاع الذي يسبّب النزف الأكبر في الموازنة اللبنانية، ولم يقدّم أحد أي شرح مقنع حول أسباب عدم البدء بتنفيذ معمل دير عمار على سبيل المثال بعد أن كان تم التوافق عليه في 24 أيار الـ2018.
وما حصل فعلياً منذ نيسان 2018 وحتى نيسان 2019 هو انزلاق الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان من السيئ الى الأسوأ بشكل غير مسبوق في تاريخ الأزمات في لبنان. وفي حين تأخر تشكيل الحكومة الجديدة حوالى 9 أشهر، فإن ولادة الحكومة الجديدة لم تغيّر الوضع القائم رغم مرور شهرين ونصف الشهر على ولادتها “القيصرية”، فلا جلسات استثنائية (باستثناء جلسة يتيمة حتى اليوم لدراسة خطة الكهرباء في 8 نيسان) ولا نقاش في الموازنة وفي كل الخطط المطلوبة في الكهرباء والبيئة والصناعة والزراعة والسياحة والأوضاع المالية، والعمل يجري وكأننا في حال ارتخاء ولا تحديات مصيرية أمامنا.
منذ سنة وحتى اليوم يبدو وكأن المسؤولين في لبنان يعيشون على كوكب آخر، وكأن الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يتحدثون عنه يحصل في دولة خارج النظام الشمسي وتبعد عنهم مليارات السنوات الضوئية، لا كأنه يحصل في دولتهم ووزاراتهم ومؤسساتهم ويهدد ماليتهم!
والسؤال الكبير يبقى: هل تمرّ السنة الثانية على “سيدر” كما مرّت السنة الأولى؟ نظرياً الاحتمال وارد نتيجة الخبرة السيئة مع أكثرية الطبقة السياسية في لبنان، أما عملياً فمستحيل أن تكون السنة الثانية كالأولى لأن الاستمرار بهذا الأداء سيوصلنا حتماً إلى الانفجار الكبير!