خطة الكهرباء على جدول أعمال مجلس الوزراء مجدداً. السعي جدي للبدء بمعالجة الأزمة الممتدة منذ عشرين عاماً. «مبدئياً لا عودة إلى الوراء»، يقولها وزراء تاركين باباً للقلق نتيجة التجارب السابقة. لكن يبقى الصراع الأخير: وزارة الطاقة تريد إبعاد شبح إدارة المناقصات عن صفقاتها.
نقطتان يسعى رئيس الحكومة سعد الحريري إلى التوافق بشأنهما، قبل الدخول إلى جلسة مجلس الوزراء اليوم، بعدما فشلت اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف الكهرباء في حسمهما: تأليف الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء أو تأجيل الأمر إلى حين تعديل القانون 462، وإجراء مناقصة إنشاء معامل إنتاج الكهرباء عبر إدارة المناقصات أو عبر اللجنة الوزارية.
هذا خلاف يمكن أن يتفاقم في مجلس الوزراء في حال وصلت الأمور إلى مرحلة التصويت، وهو ما يسعى الحريري إلى تفاديه، خصوصاً أن فوز أي خيار بأصوات النصف زائد واحد من عدد الوزراء لن يكون، في السياسة، حلاً، بل سيؤدي إلى مزيد من التعقيد، علماً بأن النصف زائداً واحداً يمكن تأمينه باتفاق وزراء كتلتي المستقبل ولبنان القوي، اللتين تسعيان إلى كفّ يد إدارة المناقصات عن ملف الكهرباء، ما يعني بالتالي التغاضي عن رأي كل الكتل الباقية التي تؤيد تولّي إدارة المناقصات للمهمة.
BOT في إدارة المناقصات
وبحسب التوصية المرفوعة من اللجنة الوزارية إلى مجلس الوزراء، فإن مسألة المناقصة تركت مفتوحة على خيارين:
أ- يُطبق قانون المحاسبة العمومية على تلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد التمويل والانتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية تحدد في دفتر شروط خاص تعده وزارة الطاقة.
يستثنى من أحكام قانون المحاسبة العمومية كل ما لا يتفق مع طبيعة التلزيم والعقد وفق الطريقة المذكورة سابقاً.
يعود لمجلس الوزراء بتّ أي التباس ينشأ بين الوزارة وإدارة المناقصات.
ب- اتخاذ القرار بإجراء المناقصات إما عبر إدارة المناقصات بعد تعديل القانون 288 (إعطاء صلاحية الترخيص إلى مجلس الوزراء بدلاً من الهيئة الناظمة للقطاع) لجهة قانون المحاسبة العمومية، بما يتعارض مع البناء والتمويل والتشغيل وتحويل الملكية إلى الدولة، أو عبر اللجنة الوزارية، بعد تمديد القانون الرقم 288، مع الاستعانة بمن تراه وزارة الطاقة والمياه مناسباً من إدارات أو خبراء ومستشارين.
وإذ يبدو أن صيغة تولي اللجنة الوزارية للمناقصة هي صيغة هشة ولا يمكن الدفاع عنها، ربطاً بعدم قدرتها على القيام بالإجراءات الإدارية للصفقة، ولأن مهمة مجلس الوزراء، بحسب المادة 65 من الدستور، هي اتخاذ القرارات لتطبيق القوانين والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة، لا الحلول محلها، فإنه يُتوقع أن تبقى إدارة المناقصات وحيدة في الميدان، علماً بأن صيغة التوصية تؤكد التوجه للحفاظ على دور إدارة المناقصات من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تسعى إلى قضم صلاحياتها أو على الأقل مشاركة وزارة الطاقة ومجلس الوزراء فيها، بما يحوّل إدارة المناقصات إلى ساعي بريد، لا إلى منفّذ للمناقصة. فالصيغة «الملتبسة» تسمح بالتوسّع بتفسيرها لتشمل أي «خلاف» مع إدارة المناقصات قد ينتج عن ملاحظاتها على دفتر الشروط أو على طلب اعتماد إجراءات غير قانونية أو تجاوز بعض الشروط القانونية.
بحسب التوصية، فإن التعديل جاء ليعطي إدارة المناقصات الحق في إجراء مناقصات BOT (أن ينشئ القطاع الخاص المعمل ثم يشغّله لفترة من الزمن ويبيع انتاجه، ثم يعيد ملكيته وإدارته إلى الدولة)، والذي لا يتناوله قانون المحاسبة العمومية. لكن في المقابل، فإن رأياً آخر في اللجنة يعتبر أن إدارة المناقصات يمكنها إجراء مناقصات BOT من دون الحاجة إلى تعديل قانون المحاسبة العمومية، انطلاقاً من أن القواعد الإجرائية للمناقصات تطبّق على أي صفقة مهما كانت طبيعتها ومهما كان منفذّها. الداعون إلى التعديل ينطلقون من أن قانون المحاسبة العمومية فرض وجود اعتماد للصفقة قبل عقدها، وكذلك فرض الاحتفاظ بمبلغ تأمين يصل إلى 10 في المئة من قيمة الصفقة. وعليه، وجب استثناء عقود الـBOT من هذين الشرطين.
لكن بحسب وزير في اللجنة، فإن الشرطين يجب توافرهما متى كانت الدولة هي من سيموّل المشروع، أو إذا كان مبلغ التأمين سيسهم في تعزيز المنافسة أو ضمان جدية العارضين. ولهذا، لم يحدد القانون نسبة ثابتة للتأمين، بل ترك تقديرها لإدارة المناقصات، على أن لا تتعدى 10 في المئة، أي إن هذا المبلغ يرتبط بطبيعية الصفقة ولا قاعدة واحدة له. وهذا الأمر سبق أن شكّل جزءاًَ من ملاحظات إدارة المناقصات على مناقصة البواخر، حين اعتبرت أن مبلغ التأمين المقدّر حينها بخمسين مليون دولار هو مبلغ ضخم يحدّ من المنافسة. باختصار، يقول المصدر إن تطبيق قانون المحاسبة إلزاميّ إذا كان تمويل المشروع من الموازنة العامة واعتماداته متوافرة فيها أو من أي مصدر آخر. وبالتالي، لا مبرر لإجراء المناقصات خلافاً لقانون المحاسبة العمومية أو خارج إدارة المناقصات. لكنه يذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أنه يمكن اختصار الطريق واللجوء إلى الجهة المعنية، أي ديوان المحاسبة، لاستشارته في قانونية إجراء إدارة المناقصات لصفقات على أساس BOT.
وإذ يرى أكثر من طرف أن كل ما يطرح إنما يصب في خانة رغبة وزارة الطاقة في كف يد «المناقصات» عن صفقاتها، معتمدة على حجة الوقت والبيروقراطية التي تحكم عمل إدارة المناقصات، فقد أسقطت هذه الحجة بعدما تبين أنه إذا كان دفتر الشروط مراعياً للقانون، يمكن إنجاز المناقصة خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر. وهو الوقت نفسه الذي تحتاج إليه أي مناقصة فعلية حتى لو أنجزت في اللجنة الوزارية.
تعديلات مخالفة للدستور
بقيت مسألة اعتبار عدد من أعضاء اللجنة أن قانون المحاسبة العمومية لا ينطبق على عقود الـBOT، وبالتالي وجب إقرار قانون يسمح لإدارة المناقصات بإجراء هذا النوع من العقود. لكن أبعد من الصيغ «الغامضة» التي أوصت بها اللجنة لتعديل أحكام قانون المحاسبة العمومية، يذهب مصدر قانوني إلى اعتبار أن النقاش بشأن إدخال الـBOT ضمن نطاق أحكام المحاسبة العمومية، هو نقاش في غير محله. كما يعتبر أن ربط مسألة المناقصات بضرورة تمديد العمل بالقانون 288، بما يسمح لمجلس الوزراء بتوقيع عقود الانتاج بدلاً من الهيئة المنظمة للاتصالات (القانون 462) هو أيضاً في غير محله. فذلك القانون يتحدث عن تراخيص تعطى للشركات بعد تحرير القطاع، وهذه التراخيص لا ترتبط بشرط استعادة الدولة للمنشأة بعد انتهاء تاريخه، خلافاً لعقد BOT.
وعليه، يعتبر المصدر القانوني أن ما ينطبق فعلياً على هذه العقود هو المادة 89 من الدستور التي لا تجيز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار، إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود، علماً بأن وزارة الطاقة ذهبت أبعد من ذلك في التعديلات التي اقترحتها على القانون 462، والتي وزعت على أعضاء اللجنة الوزارية في جلستها ما قبل الأخيرة، أن واحدة من مشاكل القانون أنه يعطي صلاحية إعطاء التراخيص للهيئة، بينما هذه التراخيص هي في الواقع امتيازات يجب أن يصدر فيها قانون عن مجلس النواب.
ومسألة إنشاء الهيئة هي في صلب الخلافات أيضاً. فإذ تعتبر وزارة الطاقة أنه يجب تعديل القانون قبل إنشائها، انطلاقاً من أن القانون 181 (5 تشرين الأول 2011) ينص على ذلك، فإن مصدراً قانونياً يستند إلى الفقرة السابعة من القانون 181 ليذهب في عكس الاتجاه الذي سلكته الوزارة، إذ تشير الفقرة إلى أنه «تشكّل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء… للنظر بالتعديلات على القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، والالتزام بالقانون وتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال هذه المهلة بناءً على اقتراح وزير الطاقة والمياه». كما تشير الفقرة الثامنة إلى أنه يعيَّن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة أقصاها شهران. وعليه، يخلص المصدر إلى أن القانون 181 قد فصل بين مساري الاتفاق على التعديلات وتنفيذ القانون 462، لكن في النتيجة فإن القانون لم ينفّذ، بصرف النظر عن تفسيره.