كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
لم يُعرف بعد ما إذا كانت المعلومات التي نقلتها صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية عن عقوبات أميركية على حركة أمل والرئيس نبيه بري صحيحة. مقربون من الأخير يؤكدون أنها «حملة تهويل ليس إلا»، وأن «دبلوماسيين أميركيين نقلوا رسائل بأن ما أشيع ليس صحيحاً». لكن، رغم ذلك، لا يمكن التعامل مع هذه التسريبات ببراءة. فهي، وإن لم تكشف عن معلومات، فإنها تستبطن تهديداً واضحاً من واشنطن لرئيس مجلس النواب
لم تفلَح مُحاولات الزائر الأميركي الأخير إلى لبنان في فرض رغبة واشنطن بعزل حزب الله. موِقف حلفاء المقاومة كان حاسماً لجهة أن الحزب هو مكوّن لبناني أساسي وجزء من الحياة السياسية في الحكومة والبرلمان، واستهدافه بالعقوبات يعني استهداف كل اللبنانيين. هذا ما سمعه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوضوح من رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب ميشال عون ونبيه برّي، ووضَع المكونات السياسية في حالة ترقّب للسلوك الأميركي تجاه البلاد بعد الزيارة. وبعد نحو أسبوعين من مغادرته، كشفت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية أول من أمس، عن «خططٍ أميركية لفرض عقوبات على حركة أمل والرئيس نبيه برّي، بسبب علاقاته القديمة مع حزب الله وإيران».
ونقلت الصحيفة المعروفة بصلاتها القوية في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض» أن «بري وشركاءه الرفيعي المستوى هم حالياً تحت التدقيق الأميركي»، وأن «حزب الله وحركة أمل هما فريق واحد»، مُعتبراً أن «هذا الأمر يجب أن يتوقف. نبيه بري لا يزال رجل إيران في لبنان. إنه الخط الرئيسي للدعم السياسي لحزب الله. وسيزداد استهداف الولايات المتحدة الاقتصادي للبنان، وسيُفرض المزيد من العقوبات عليه، إلى أن يترك بري منصبه أو يغير سياسته، وهذا ما نستبعده حالياً. لذلك فطالما أن بري باقٍ في السلطة، ستُعاني البلاد».
حتى هذه اللحظة، ينتظر الجانب اللبناني تأكيد صدق المعلومة من عدمه. لكنها وإن صحّت فهذا يعني وفق أكثر من مصدر سياسي أن «واشنطن بدأت في رسم معادلة مضادة للموقف اللبناني الرسمي تجاه العقوبات وحزب الله». الولايات المتحدة تريد أن تقول: «بما أن الأحزاب الأساسية اختارت أن تقف إلى جانب الحزب وتدافع عنه، فإن مصيرها لن يكون أفضل من مصيره»، وتحاصر الجميع بين خيارين: «إما التخلي عن الحزب أو وضع الداعمين له في منزلة واحدة معه».
ليست هي المرة الأولى التي يلمّح فيها الأميركيون بشكل غير مباشر الى استهداف بري ومسؤولين في حركة أمل. منذُ أقل من عام أثيرت هذه المسألة بشكل عرضي. ثم ما لبثت أن غابت كلياً قبل أن تعود اليوم في توقيت حرِج. بحسب معلومات «الأخبار»، فقد عمدَ أكثر من موفد أميركي زار لبنان خلال العام الماضي إلى إثارة الموضوع مع الرئيس برّي في اللقاءات. إذ «استفسر هؤلاء بلغة مموّهة عن رأيه بالعقوبات وتأثيرها على لبنان، وتحديداً على حركة أمل»، وقد «حملت في طياتها نوعاً من التهديد». ماذا يعني ذلك؟ يبدو أن لدى الأميركيين إصراراً للضغط على الرئيس بري. فخطابه وأداؤه في موضوع المقاومة لم ولن يتغيّرا. لا داعي هنا للعودة الى كل تصريحات رئيس مجلس النواب في ما خص الصراع مع إسرائيل والتأكيد على خيار المقاومة. يكفي التوقف عند كلام بري أمام بومبيو حين سأله «هل تعرف تاريخي؟ أنا من أطلق المقاومة». وهذه جملة وحدها كفيلة بإزعاج الضيف الأميركي.
حتى اللحظة، لم يصدر أي موقف رسمي لبناني ولا من حركة أمل حول ما أشيع. لا خبر مؤكّداً باستثناء اللقاءات التي سيعقدها الوفد البرلماني اللبناني المؤلف من رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ياسين جابر مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، على هامش الاجتماعات التي ينظّمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن الأسبوع الجاري لشرح الواقع في لبنان وتأكيد التزامه ومصارفه بالقوانين المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن سفير لبنان في الولايات المتحدة الأميركية غابريال عيسى، كتب على صفحته على موقع «فايسبوك» أن «الصحافة المرتهنة بدأت تهلل لعقوبات جديدة. هذه أخبار خاطئة منقولة عن المصدر الخاطئ نفسه». غيرَ أن مقربين من برّي وضعوا هذه المعلومات في إطار «التهويل»، وخصوصاً أن «دبلوماسيين أميركيين نقلوا رسائل بأن الجو الذي خرج ليس جدياً». وقد رجح هؤلاء بأن يكون توقيت نشر هذه المعلومات «مرتبطاً بزيارة الرئيس برّي الأخيرة للعراق، حيث أجرى جولة على مرجعيات سياسية ودينية حققت نجاحاً كبيراً»، معتبرة أيضاً أنه «ليسَ من باب الصدفة أن تكون الجهة التي نشرت المعلومات هي إماراتية، بالتزامن مع وجود برّي في قطر».
مهما تكن الخلفيات، فإن أكثر من جهة اعتبرت أن «مثل هذه الخطوة ــــ إذا تأكدت ــــ ستكون ضرباً من الجنون». واستغربت مثل هذا القرار، ولا سيما أنه «رغم متانة العلاقة الاستراتيجية بين بري وحزب الله، لطالما كان هناك إرادة غربية وعربية بالفصل بينهما، من أجل إبقاء جسور التواصل مفتوحة مع الطائفة الشيعية». وما وضع برّي في المنزلة نفسها مع الحزب إلا «محاولة لعزل طائفة بأكملها». كما اعتبرت أن «مثل هذه الخطوة لا يُمكن أن تضرب الحزب ولا الحركة، بل على العكس ستقويهما وستجعل حلفهما أمتن في وجه الولايات المتحدة». كما لا يُمكن أن تدفع «بحركة أمل ورئيسها الى التخلي عن دعم الحزب في مقاومته ضد إسرائيل والإرهاب، بل ستؤدي بهما الى التشدد أكثر في وجه الاستكبار الذي تمارسه الإدارة الأميركية».
وتوقفت المصادر عند العبارات التي نقلتها الصحيفة، وهي تقال للمرة الأولى، إذ وصفت «بري بأنه رجل إيران في لبنان». لا يُخفى على أحد في الداخل والخارج أن «بري لم ينكر يوماً أنه يحمل مسؤولية الطائفة الشيعية وهو ممثلها الأول في الدولة»، وهو «من الأوائل الذين نسجوا علاقات قوية مع إيران من قبل حزب الله». لكن الخطير في مثل هذا القرار (إذا صحّ وسلك مساره نحو التطبيق) أنه لا يستهدف تياراً أو حزباً وحسب، بل يطاول بالدرجة الأولى شخصاً هو رئيس لمجلس النواب، وتربطه علاقات متينة مع معظم الأطراف السياسية في البلد أصدقاء أو خصوماً. وأي تعامل معه خارج هذا السياق هو «دعسة ناقصة»، تعني إما «المغامرة بطرف شيعي استطاع الاحتفاظ بعلاقته بأطراف داخلية وخارجية عربية وغربية وإبقاء التواصل مفتوحاً معها في عزّ الخلافات مع لبنان، وخاصة أنه ليس هناك أي طرف خارج حزب الله وحركة أمل في البيئة الشيعية يُمكن التعويل عليه في أي دور»، وإما «اتجاه أميركي لضرب المؤسسات والدولة يُمكن أن يبدأ من مجلس النواب ويصل الى بعبدا»، فهل بلغ التهور الأميركي هذه الدرجة؟