IMLebanon

مؤسسات رعاية الأطفال: نظام “بائد” يسمح بكل أنواع الانتهاكات!

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

نحو 28 ألف طفل في لبنان «مودعون» في دور الرعاية البديلة، من بينهم 4500 يتيم فقط، فيما البقية تهتم بهم هذه المؤسسات بسبب فقر أهلهم. مؤسسات الرعاية (وغالبيتها طوائفية) تحصل على 70% من موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية فيما دعم أسرهم يكلّف الدولة مبالغ أقل. علماً أن التوجه العالمي اليوم هو نحو التخلص من نمط الرعاية المؤسساتية بسبب الانتهاكات الذي يتسبب به للأطفال، وأخطرها التحرّش الجنسي

قبل أيام، أثار الشاب طارق الملّاح قضية طرد دار الأيتام الإسلامية إحدى المُرشدات العاملات لديها بحجّة «الإخلال بنظام العمل وتركها الأطفال وتعريضهم للمخاطر»، فيما السبب الحقيقي للطرد، وفق الملّاح، «يعود إلى تقارير كانت ترفعها إلى الادارة تتناول حوادث تحرّش تحصل داخل الدار».

ومعلوم أن الملّاح يخوض نزاعاً منذ سنوات مع الدار التي عاش طفولته فيها، مدّعياً بأنه تعرّض للإغتصاب على مدى خمس سنوات خلال فترة مراهقته. وهو أكّد لـ«الأخبار» أن المرشدة تواصلت معه وأرسلت اليه صوراً عن تقارير رفعتها الى الادارة تُشير الى تعرّض أحد نزلاء الدار للتحرّش من قبل زميل له، مشيراً الى أنها «تعرضت للطرد بسبب تكرارها رفع تقارير مماثلة واتهامها الإدارة بتجاهل هذه الحوادث ذات التداعيات النفسية والصحية الخطيرة على أطفال الدار».

وفيما تظهر صورة التقرير التي أبرزها الملّاح أن تاريخه يعود الى عام 2016، إلا أنه أكّد أن هناك «تقارير أحدث، لكن تعذّر على المُرشدة تصويرها».

«الأخبار» تواصلت مع مصادر في إدارة الدار فاكتفت بالإشارة الى أنها في صدد مقاضاة «من يقوم بحملة التشهير».

ومن المُقرر أن يمثل الملاح قريباً أمام مكتب جرائم المعلوماتية بتهمة التشهير، «لكن هذا لن يمنعني من المثابرة على إيصال صوت الحق». علماً أنه كان قد تقدّم في حزيران 2015 بدعوى قضائية أمام مجلس شورى الدولة ضد دار الأيتام الاسلامية ووزارة الشؤون الاجتماعية لمطالبتهما بالتعويض عن «الضرر» الذي لحق بِه «نتيجة اهمالهما وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته».

ووفق المحامية في «المفكرة القانونية» غيدة فرنجية، لا تزال الدعوى أمام القضاء، مُشيرةً إلى صدور قرار إعدادي كُلّفت بموجبه وزارة الشؤون تحديد الإجراءات الرقابية التي تتخذها للإشراف على دار الأيتام. ولفتت الى أن أهمية الدعوى تكمن في أنها تضع دور الرعاية أمام مسؤوليتها في ضمان سلامة الأطفال، ووزارة الشؤون الإجتماعية أمام مسؤوليتها في مراقبة الدور.

مصادر في الوزارة أكّدت لـ«الأخبار» أنها تجاوبت بدورها مع اللوائح الجوابية التي وردت اليها في سياق الدعوى، مُشيرةً إلى أن القضاء وحده المخوّل البت في التحقيق في مثل هذه الحوادث، ولافتةً إلى أن الوزارة تقوم بتفتيش دوري على المؤسسات الرعائية عموما.

وبمعزل عن الوقائع المثارة أعلاه، تعيد هذه القضية طرح واقع الأطفال في المؤسسات الرعائية البديلة. ففي غياب قانون متخصص في الرعاية البديلة يؤكّد عدد من المختصين أن النظام الرعائي المؤسساتي القائم في لبنان يسمح بهذا النوع من الانتهاكات (التحرّش والاغتصاب وغيرهما).

والجدير ذكره أن نحو 70% من موازنة وزارة الشؤون الإجتماعية تخصص لدعم مؤسسات الرعاية البديلة علما أن غالبيتها مؤسسات دينية، ويخضع جزء كبير منها لـ«منطق» المحاصصات الطائفية. إذ تقوم كل طائفة بتربية رعاياها في غياب تام لأي قانون مدني لتنظيمها ورعايتها.

وتشير الإحصائيات الى أن هناك نحو 28 ألف طفل في دور الرعاية، 4500 منهم فقط أيتام، فيما الآخرون «مودعون» في هذه الدور بسبب الفقر. علماً أن كلفة دعم الأُسر تُعدّ، وفق المختصّين، أقل بكثير من الكلفة التي تنفقها وزارة الشؤون لدعم المؤسسات.

الخبيرة في الرعاية الاسرية البديلة والمديرة التنفيذية لجمعية «بدائل» (Alternatives) زينة علوش أشارت الى أن الملاح «لم يكن الضحية الوحيدة التي تعرّضت لاعتداء جنسي في دار للرعاية، ولم تكن دار الأيتام الإسلامية المؤسسة الوحيدة التي إدّعى أطفال تعرّضهم لإعتداءات جنسية فيها»، لافتةً إلى أنه بعد الدعوى التي رفعها الملاح، «توالت القصص وتجرّأ العديد على التعبير عما تعرّضوا له، وقام الإعلام بتوثيق حكايا إنسانية مُخيفة تُظهر فداحة الإنتهاكات وتفشيها في دور الرعاية».

وتلفت علوش الى «أننا نتحدّث هنا عن نمط رعائي يعتمد الفصل عن البيئة والمحيط مدعوماً بنظرة استعمارية تجاه الفقير». وتخلص الى أن نظام الرعاية المؤسساتي القائم في لبنان يجعل الأطفال عرضة للإنسلاخ عن النسيج المحلي ولانتهاكات متعددة الأشكال «أخطرها التحرّش الجنسي… لكنه ليس الوحيد».

يُذكر أن الإبقاء على «طبيعة» النظام الرعائي المؤسساتي في لبنان يخالف التوجه العالمي الساعي حالياً الى التخلّص نهائياً من نمط الرعاية المؤسساتية بسبب الضرر الذي يتسبب به هذا النظام، بعدما أظهرت دراسات عدة الآثار السلبية لهذا النوع من النمط الرعائي «خصوصاً عندما يتم الفصل عن الأهل البيولوجيين نتيجة الفقر»، بحسب علوش. وتلفت الى أنه لا فارق بين المؤسسات الرعائية على المستوى الطائفي «لأن نمط الرعاية المعتمد واحد مهما اختلفت التنويعات الطائفية، وعموماً تتوحد هذه المؤسسات للدفاع عن مصالحها المتمثلة في رفض أي نوع من الإصلاح، لأن أي إصلاح مهما كان بسيطاً يشكل تهديداً لمنظومة استعمارية متراصّة مبنية على إعلاء مصلحة المؤسسة، ولو على حساب الأطفال الذين وجدت أصلاً من أجلهم وتعتاش على قضيتهم».