منذ إعلان قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة ديما جمالي (كتلة المستقبل)، لم يوفر الأمين العام لـ “المستقبل” أحمد الحريري فرصة سانحة أمامه ليجول في طرابلس، ويحض أنصار “الاعتدال” الذي لطالما رفع “المستقبل” لواءه. ولا يختلف اثنان على أن الحريري بات خبيرا في مخاطبة الحشود والعزف على وترها السياسي والعاطفي الحساس. غير أن كل هذه الجهود لا تنفي أن الحريرية السياسية التي تخوض معركة وجودية في الشارع السني تقف أمام مشهد انتخابي شديد الدقة.
ذلك أن عزوف القوى الدائرة في فلك حزب الله وحلفائه قد يكون أفقد المنافسة طابعها الحماسي والنكهة السياسية، باعتبار أن عامل التنافس بين معسكري 8 و14 آذار قد انتفى لصالح المرشحة “الزرقاء” العائدة إلى حلبة المنافسة على مقعدها بدفع من رئيس الحكومة شخصيا.
على أن مقاربة الانتخابات الفرعية المنتظرة الأحد على هذا النحو المطبوع بنوع مما يصفه مراقبون عبر “المركزية”بـ “استسهال” المنازلة، من شأنه أن يخفض مستويات المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع، وهو ما لا يصب في مصلحة تيار المستقبل الذي لن يفوت على نفسه فرصة ذهبية كتلك التي أتيحت له من حيث لم يتوقع، ليثبت الرئيس الحريري زعيما سنيا أول، بغض النظر عن طبيعة قانون الانتخاب، كما عن الخيارات السياسية التي قد يركن إليها. وإذا كان الحريري قد اختار القفز بشجاعة فوق الاختلافات ذات الطابع الاستراتيجي مع الخصم اللدود اللواء أشرف ريفي لمد جمالي بجرعة دعم إضافية، فإنه لم يكتف بذلك، بل ضم ريفي إلى تحالف جامع ينضوي تحت لوائه الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي، يخوض المنافسة ضد النائب السابق مصباح الأحدب وعدد من مرشحي المجتمع المدني والمستقلين.
صحيح أن هذه الصورة، مع كل ما تحمله من حسابات انتخابية وشعبية دقيقة دفعت مرشح 8 آذار وسامر كبارة إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات الفرعية، فيما يعتبر هدية ثمينة في مضمونها وتوقيتها لجمالي. لكن “المستقبل” في حاجة إلى إثارة حماسة الطرابلسيين و”شد عصبهم الانتخابي”، ما يفسر الزيارة التي يستعد الرئيس الحريري للقيام بها إلى عاصمة الشمال، بعد لقاءات مع كبار صقور الفريق السيادي في البلد، ليس أقلهم اللواء ريفي والنائبة بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، بعد أسابيع على الحملة التي شنها حزب الله ضده في إطار “معركة مكافحة الفساد”. خطوة تأتي بعد أيام على الصفعة التي تلقاها “بيت الوسط بفعل الخسارة التي مني بها حلفه مع القوات اللبنانية في انتخابات نقابة مهندسي الشمال يوم الأحد الفائت. وفي السياق، يلفت المراقبون إلى أن “هذه النتيجة قد لا تترك تداعيات سلبية على ما سينتهي إليه اليوم الانتخابي الطرابلسي، لكن من شأنه أن يؤشر إلى أخطاء قد يكون التيار الأزرق قد ارتكبها في إدارة الحملة الانتخابية، كما في الخطاب السياسي”. كلها أمور من المفترض أن توضع تحت المجهر بعد 14 نيسان…