كتب أسعد بشارة في صحيفة “الجمهورية”:
بعد الاحتفاء السياسي بإنجاز خطة الكهرباء التي ستحال مبدئياً ونظرياً على دائرة المناقصات، والتي ستعرقل عملياً صلاحيات هذه الادارة، لا بد من العودة الى أصل ملف الكهرباء لتسليط الضوء على مسار، يراد استكماله من خلال خطة وضعت فيها بعض الالغام القانونية التي تعطل دور اجهزة الرقابة، حيث تمّ استثناء أحكام المحاسبة العمومية، والاتفاق على أنّ وضع وزارة الطاقة دفتر الشروط الادارية والمالية والفنية الكاملة للتلزيم، استثناء لقانون المحاسبة، بحيث يخشى أن تمر التلزيمات من دون إخضاعها للرقابة المالية والادارية، وبمدد زمنية غير محددة، بالاضافة الى عدم تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
تصلح حكاية مناقصة شراء الطاقة الكهربائية من البواخر، ان تكون وثيقة عن علاقة السياسة بالإدارة، هذه الحكاية المرشحة للتكرار حتى بعد إقرار خطة الكهرباء، وتكليف إدارة المناقصات درس تلزيم انشاء المعامل الثابتة، مع إدخال أنف اللجنة الوزارية في عمل الإدارة، ينتظر ان تتبلور في القريب المنظور مع بدء تنفيذ الخطة، لتبيان اذا كان ما تعرضت له ادارة المناقصات سيتكرر، أم أن دورها سيحترم بموجب القوانين المعطاة لها، بإجراء مناقصات شفافة، لحفظ المال العام، بعيداً من استدراج العروض والتلزيمات بالتراضي، التي باتت تمر بلا حسيب او رقيب.
بدأت الحكاية عندما ارسلت وزارة الطاقة الى إدارة المناقصات مناقصة لاستئجار باخرتين، على الأقل واحدة في دير عمار، وأُخرى في الزهراني لانتاج الطاقة الكهربائية، والمناقصة لم تكن تحمل من مفهوم المناقصة الا الاسم، ففيها عرض وحيد وشركة واحدة.
وفقاً للقانون يعين رئيس الادارة (جان العِلّية) لجنة لدرس المناقصة من ثلاثة أشخاص مسجّلين في لوائح يوافق عليها التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، أي ثلاثة لا غبار ادارياً عليهم، احدهم عضو في وزارة المال. تجتمع اللجنة وإذا اشتدت الحاجة كما في مناقصة البواخر، تطلب مساعدة خبراء تقنيين، يُستعان بهم لإنجاز التقرير.
كذلك يقتضي العرف أن يحضر في اجتماع اللجنة عضو منتدب من الوزارة التي تطلب إجراء المناقصة، وفي المناقصة تلك عيّن وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل خمسة مندوبين لحضور اجتماعات اللجنة، فلم يعترض العِلّية على الشكل لبت المضمون، ذلك على رغم من ان لا لزوم لهذا العدد إلّا لممارسة رهبة على اللجنة.
بدأت لجنة ادارة المناقصات درس ملف استئجار البواخر، وهو ملف هزيل، صفحات عدة لتلزيم يتجاوز حجمه المالي 1700 مليار ليرة، وتشارك في المناقصة شركة واحدة، اي بمعنى آخر كانت تلك عملية رضائية بعرض وحيد، لا يمكن إدارة المناقصات ان توافق عليه، فرفضت المناقصة بالإجماع، وكتبت ملاحظاتها معللِّة الرفض، فاتصل العِلّية بأبي خليل ليعلمه بالنتيجة، فسأله أبو خليل: «ما العمل اذاً؟» فأجابه العِلّية: «فلتقدم مناقصة جديدة»، وأضاف: «سأرسل لك التقرير باليد لأنه حساس».
عاد أبو خليل واتصل بالعِلّية ليقول: «تكلمت مع الوزير باسيل ويتمنى عليك أن تمشي بالمناقصة لأنّ مصلحة البلد تقتضي ذلك حتى لا تتعطل ساعات التغذية الاضافية للكهربا».
فرفض العلية وطالب بأن يأتيه قرار من الحكومة يتحمل مسؤولية المناقصة، كذلك رفض محاولة زج شركة ثانية (صورية) لانتاج كهرباء لمدة ستة أشهر في المناقصة، اذ ممنوع بموجب القانون تعديل دفتر الشروط خلال عملية التقييم.
طلب العِلّية أن يأتيه اصرار وتأكيد من الحكومة، فاقترح أبو خليل أن تصدر وزارة الطاقة الاصرار والتأكيد، فأجابه العِلّية: «بكل احترام ليس لديك سلطة بهذا الموضوع فصلاحياتك محصورة بنطاق وزارتك».
كان التقرير قد اصبح على طاولة ابي خليل نائماً او منوماً، وصدر بيان رسمي لحسم اللغط فزاده، اذ اكد ان تقرير استدراج العروض لم يُنجز بعد. كان الهدف واضحاً وهو عدم الاعتراف بالتقرير وتعديله وفضّ العرض الوحيد، وقبول التعاقد مع الشركة المعنية، وقال عبر «الجديد» إنه تلقّى مداخلات عالية المستوى لتغيير تقريره ورفض، طالباً من ابي خليل تعليل سبب اصراره على العارض الوحيد من دون أن يلقى إجابة، علماً ان ابي خليل طالبه بكتاب رسمي في 7 آب 2017 بفضّ العرض الوحيد في حال بقي وحيداً، معللاً ذلك بأنّ هذا العرض ينقص 10 في المئة عن العرض التقديري.
وجاء من يطلب من العِلّية ان يزور أحد الوزراء فرفض، في اعتباره الوزير الذي لا يملك صلاحية في الملف، وقال لمَن راجعه: «لتجتمع الحكومة وتلغي المناقصة وتكلف الوزارة دفتر شروط جديداً، وهكذا حصل، لكن الدفتر الجديد استنسخ القديم، وعادت مناقصة العرض الواحد والشركة الواحدة التي تخلّ بالمنافسة الى ادارة المناقصات مجدداً، مع وضع مهلة 48 ساعة لإنجاز التقرير، الذي صدر للمرة الثانية برفض المناقصة لإخلالها بشروط المنافسة.
بات العِلّية مزعجاً، وطلب من رؤسائه الاداريين ضبطه، وإتُهِم بـ«التسريب المقصود» لتقرير رفض المناقصة، ووصل الامر الى ان احد المكلفين ضبطه، صارحه قائلاً: «إنّ المطلوب وقف هذا «السئيل» جان العِلّية عند حدّه».