لم تعد أوساطٌ مطلعة في بيروت تستغرب اعتماد لبنان سياسة «إدارة الأُذن الصماء» حيال الوقائع المدوّية التي تتدحْرج في محيطه وتشي بتشظياتٍ لا يُعرف إذا كان سيبقى متاحاً النأي بالبلاد عنها.
وترى هذه الأوساط عبر «الراي»، أن لبنان الذي يبدو كمَن يسير على حبل معلَّق فوق «حقول النار» في المنطقة، يتكئ في محاولة العبور إلى «ضفة الأمان» على «عصا التوازن» التي يحملها والتي تتقاسمها من الجهتين التحديات المالية – الاقتصادية والمخاطر الإقليمية، بحيث أن أي مفاجأة سلبية على إحدى «الجبهتين» يمكن أن تشكّل سبباً للوقوع في… المحظور.
وبينما كانت بيروت «تحتفل» بإقرار مجلس الوزراء الاثنين خطة الكهرباء، جاء إعلانُ واشنطن إدراجَ الحرس الثوري الإيراني و«أخواته» على لائحة المنظمات الإرهابية بمثابة «ناقوس الخطر» بإزاء ما قد ينتظر لبنان في ظلّ إثبات إدارة الرئيس دونالد ترامب مرة جديدة أنها لا تحيد عن قرارها الحاسم بـ«إعادة إيران الى إيران» وقطْع أذرعها وفي مقدّمها «حزب الله».
وفي هذا الإطار، رأت الأوساط المطلعة أن «بلاد الأرز» باتت في قلْب المواجهة الأميركية – الإيرانية وهو ما عبّر عنه أمران: الأوّل حرْص وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في معرض تلاوته «حيثيات» تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية على ذكر «حزب الله» مراراً في امتداد لما يشبه «البلاغ الرقم واحد» الذي كان أصدره إبان زيارته الأخيرة لبيروت، الأمر الذي يعكس أن واشنطن انتقلتْ الى معركة متوازية ومتزامنة على الكيانات العسكرية التابعة لإيران في الداخل والتي تشكل امتداداً لها في الخارج.
والأمر الثاني عدم نفي بومبيو وجود اتجاه لدى إدارته لفرض عقوبات على رئيس البرلمان نبيه بري (ومسؤولين في حركة «أمل» التي يتزعّمها) من ضمن مسار تضييق الخناق على «حزب الله».
وفي موازاة ذلك، لم تسترح «الحروب الصغيرة» التي اندلعت في الأيام الأخيرة سواء داخل «البيت» المالي – الاقتصادي مع الهجوم الذي شنّه وزير الاقتصاد منصور بطيش على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وسياساته المالية، أو في قلب المنظومة القضائية – الأمنية مع قيام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس بالادعاء على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في سياق تداعياتِ فتْح ملفات فسادٍ اضطلعت «الشعبة» بدور رئيسي في كشْفها.
وفيما كان بارزاً انتقاد الموقع الالكتروني لتيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) خطوة جرمانوس (محسوب على تيار الرئيس ميشال عون) مؤكداً ان «شعبة المعلومات لن تكون مكسر عصا في الاتهامات التي تساق ضدّها»، لم يتوانَ المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، الذي اعتُبر قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية موجهاً ضدّه أيضاً، عن الردّ ضمناً مؤكداً «أننا وضعنا في أولياتنا استئصال الفساد والمفسدين عبر كشفهم وإحالتهم الى القضاء العادل والنزيه (…) وكل ما نقوم به هو بإشراف السلطة القضائية ولسنا بوارد القيام ببطولات وهمية إنما نمارس دورنا بحسب النص القانوني، أما محاسبة القضاة فهو أمر يعود إلى المرجع المختص وهي هيئة التفتيش القضائي».
من جهته، دافع سلامة، امس، عن الهندسات المالية التي صوّب عليها وزير الاقتصاد، معلناً أنه «بفضل هذه الهندسات التي أجراها مصرف لبنان سنة 2016، بلغت نسبة الملاءة لدى المصارف 16 في المئة وتمكنت هذه الأخيرة من تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS 9. هذا ما سمح لها بتجنب تداعيات تخفيض تصنيف لبنان، من دون أن تتأثر قدراتها التسليفية»، مشدداً على «ان مصرف لبنان ملتزم بالإبقاء على سياسته الهادفة إلى استقرار سعر الصرف بين الليرة والدولار وخير دليل على ذلك ما ورد في البيان الوزاري للحكومة لنيل ثقة مجلس النواب».