كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
تبدو المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين «مقعدة» وعاجزة عن التقدم الى الامام، بسبب افتقارها الى دعم الاميركيين والاوروبيين والخليجيين الذين يربطون العودة بمعايير أو شروط تراوح بين اعادة الاعمار والحل السياسي وتأمين الضمانات والتسهيلات للعائدين.
إزاء المصالح الدولية والاقليمية التي تتحكم بملف النازحين، من دون مراعاة واقع لبنان وتراجع قدرته على تحمل الأعباء المتفاقمة لهذا الملف، فإنه ليس هناك ما يوحي أن صرخات رئيس الجمهورية ميشال عون تجد آذاناً صاغية في عواصم القرار والتأثير، بل تبتلعها أودية التجاهل السحيقة.
وإذا كانت زيارة عون الأخيرة لموسكو قد شكلت فرصة لتوحيد المقاربة اللبنانية – الروسية حول طريقة الدفع في اتجاه إعادة النازحين، إلّا ان المشكلة تكمن في انّ التفاهم بين موسكو وبيروت ليس كافياً لوحده، كون اللاعبين الآخرين يملكون حق «الفيتو» الذي من شأنه تعطيل أي خطة او مبادرة، ما لم تلحظ مصالحهم وحساباتهم، وهو الأمر الذي أدى حتى الآن الى شلّ قدرة الدب الروسي على تحقيق خرق واسع في جدار ازمة النزوح.
وعليه، ما هو مصير المبادرة الروسية بعد زيارة عون لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين؟
يؤكد مصدر ديبلوماسي روسي لـ«الجمهورية» انّ عودة النازحين لا تتوقف فقط على روسيا ولبنان وسوريا، مشدداً على «أن مشاركة الآخرين ضرورية لمعالجة هذا الملف، لكن ما يدعو الى الأسف هو انّ الادوار الاميركية والاوروبية والخليجية غير مشجّعة حتى الآن».
ويلفت الى «انّ موسكو تعمل على تأهيل الظروف او البيئة التي تسمح للنازحين بالرجوع الى وطنهم، وهي تبذل كل ما في وسعها على هذا الصعيد»، لافتاً الى انّ المبادرة الروسية قائمة ومستمرة وليست مجمّدة أو معلقة، «أما بأيّ وتيرة يمكن ان تتحرك وتتقدم، فهذا لا يتوقف علينا فقط، وانما يتعلق بحجم تعاون الآخرين، بمعنى انه كلما صارت المشاركة أوسع تغدو وتيرة تنفيذ المبادرة أسرع، وكلما تراجعت الايجابية من الجهات المؤثرة يصبح الإيقاع بطيئاً».
ويضيف المصدر الروسي: «في الاساس، لم تكن لدينا أيُّ اوهام في انّ القوى الدولية والاقليمية الأُخرى ستوافق على مبادرتنا فوراً وستعمد الى تسهيل تطبيقها، لكنّ الأكيد أنه من دون هذا الإقتراح الروسي لطيّ ملف النازحين كان الوضع سيصبح اسوأ. على الأقل، نحن طرحنا مقاربة للحل تشكل قاعدة للنقاش والإنطلاق، بدلاً من أن نبقى، مثل البعض، صامتين وسلبيّين، مع ما يجره ذلك من جمود».
ويلفت المصدر الديبلوماسي الروسي الى انّ تنفيذ المبادرة الروسية مرتبطٌ عضوياً بعاملين: الاول، قانوني وتنظيمي يتصل بترتيب أوضاع العائدين على المستويين الاداري والاجرائي. والثاني، عمراني واقتصادي يتعلق بإعادة اعمار المرافق الحيوية والبنية التحتية.
ويوضح انّ جهات دولية واقليمية تربط مساهمتها في اعادة الاعمار تارة بالحل السياسي وطوراً بتأمين الظروف الملائمة ومعالجة المخاوف المفترضة على مصير النازحين من تصرفات النظام.
ويؤكد المصدر الروسي نفسه «انّ ما يحكى عن اعتقالات وأعمال تعذيب تستهدف بعض العائدين ليس صحيحاً، وانما يندرج في سياق التزوير والحرب الإعلامية التي يشنّها البعض»، لافتاً الى انّ موسكو تدير في سوريا مركزاً لاستقبال النازحين، «وبالتالي ليست لدينا أيّ وقائع او معلومات عن تعرض نازحين عائدين للملاحقة والانتقام، ومن لديه إثباتات على حصول ارتكابات معينة فليفصح عنها علناً».
ويتّهم المصدر واشنطن باستخدام ملف النازحين «ورقة ضغط ضد سوريا ومحور المقاومة، في اطار الاوراق التي تستعملها ضمن المواجهة المتصاعدة مع هذا المحور»، لافتاً الى «انّ الادارة الاميركية باتت أكثرَ تشدّداً في التعاطي مع «حزب الله» وإيران، بينما يتمايز عنها بعض الاوروبيين الذين سمعنا منهم أخيراً ما يوحي أنهم صاروا أقل إصراراً على ربط عودة النازحين بنحو وثيق بالحلّ السياسي، إلّا انّ لديهم هواجس حيال مستقبل هؤلاء بعد رجوعهم، في ظل القلق من التعرض لهم وعدم توافر شروط ضمان أمنهم وحقوقهم».