صحيح ان التطمينات الى عدم فرض عقوبات اقتصادية على شخصيات لبنانية اضافية، تتوالى من واشنطن، وتنقلها الوفودُ النيابية والوزارية الموجودة حاليا في الولايات المتحدة، وهي تُجمع على التأكيد ان الاستقرار اللبناني أولوية أميركية، الا ان هذا الموقف “المرن” اذا جاز القول، لا يعني ان إدارة الرئيس دونالد ترامب، في وارد “التراخي” مع حزب الله، أو مع أي حركة سياسية او مالية، ترى انها يمكن ان تشكّل دعما له، ولا يعني ايضا أنها في صدد “التصالح” مع فكرة توسّع نفوذ “الحزب” على الساحة اللبنانية من خلال وجوده في البرلمان وفي الحكومة حيث يدير وزارات مهمّة أبرزها “الصحة”.
بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، فإن استقرار لبنان في المنظار الاميركي، لا يمكن، في اي شكل من الاشكال، ان يكون مرادفا لغضّ طرف الدولة اللبنانية او الادارة الترامبية عن ممارسات حزب الله وحلفائه ولا عليها، بل على العكس تماما. وهذا ما يفسّر “الازدواجية” في الموقف الاميركي، وقدرةَ واشنطن على الجمع بين دعمها الهدوء في بيروت، وذهابها قدما في مسار تضييق الطوق حول عنق “الحزب”.
في هذه الخانة، يصبّ فرضُ وزارة الخزانة الأميركية منذ ساعات، عقوبات على اللبناني قاسم شمس بتهمة نقل الأموال نيابة عن منظمات تهريب المخدرات و”حزب الله”. وهي قالت في بيان على موقعها على الانترنت إن “شمس وشبكته العالمية لتبييض الاموال ينقلان عشرات ملايين الدولارات شهرياً من عائدات المخدرات غير المشروعة نيابة عن عصابات المخدرات ويسهلان حركة الأموال لـ”حزب الله”. من جهته، اشار وكيل وزارة الخزانة للإرهاب والاستخبارات المالية سيغال ماندلكر الى “اننا نستهدف البنية التحتية المالية لمهربي المخدرات هؤلاء، كجزء من الحملة غير المسبوقة لإدارتنا لمنع حزب الله وأتباعه الإرهابيين حول العالم من الاستفادة من العنف والفساد وتجارة المخدرات”، مضيفا “وزارة الخزانة تواصل استخدام أدواتها بقوة لقطع شبكات الدعم العالمية التي يستخدمها حزب الله لتمويل نشاطاته الشائنة”. وتابع “مبيّض الأموال اللبناني قاسم شمس صاحب شركة “شمس للصرافة”، التي تتاجر في المخدرات في جميع أنحاء العالم نيابة عن منظمات تهريب المخدرات، تسهّل نقل الأموال التابعة إلى “حزب الله”. وأوضح أن “شمس يقوم بتحويل الأموال من وإلى أوستراليا وكولومبيا وإيطاليا ولبنان وهولندا وإسبانيا وفنزويلا وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة، كجزء من نشاطاته المتعلقة بغسل أموال المخدرات”.
ومع ان شمس سارع اليوم الى “غسل يديه” من التهم الموجّهة اليه، الا ان ما كُتب في حقّه أميركيا قد كتب، والتصميمُ الاميركي على “الإجهاز” على اي فرد او “مصلحة” تشتمّ فيها دعما للضاحية، غير قابل للكسر، دائما وفق المصادر.
إزاء هذا الواقع، وفي وقت تردد اليوم ان واشنطن دعت مواطنيها الى مراجعة حساباتهم قبل السفر الى لبنان، تقول المصادر ان على الحكومة اللبنانية عدم النوم على “أمجاد” التطمينات التي سمعها النائبان ابراهيم كنعان وياسين جابر أو وزير الاقتصاد منصور بطيش في بلاد “العم سام”، بل لا بد لها من “إبقاء” السياسة الاميركية الاقليمية “العريضة”، حاضرة دائما في ذهنها، لتفادي “الأسوأ” أميركيا، فتعتمد النأي بالنفس فعلا لا قولا، وتُشرع في درس استراتيجية دفاعية تحصر السلاح بيد القوى الشرعية، وتُواصل التزامها التام بالقوانين الدولية لمكافحة تمويل الارهاب، وتبادر ايضا الى إصلاحات سريعة… فهل تتحلى بالحكمة والحنكة الكافيتين للتوفيق بين المقتضيات الدولية ومتطلبات الحزب؟