IMLebanon

أحد الشعانين: التحضيرات العائلية والنفسية

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

منذ حوالى الأسبوعين، بدأت الإستعدادات لـ»أحد الشعانين»، وبدأت هموم الأهل بتفاصيل هذا العيد وباختيار ثياب جديدة لأطفالهم والمكان الذي سيقضون فيه هذه المناسبة… عند أهل الزوج أو أهل الزوجة؟ ناهيك عن الهموم الإقتصادية التي تجعل الوالدين يفكران مرتين قبل شراء أيِّ غرض من السوق!

ويبقى إختيار الثياب أولوية عند الأهل خصوصاً عند الأم التي تريد أن يستقبل أطفالها يسوع المسيح بثياب جميلة. ولكن لا يجب أن ننسى معنى هذا الإحتفال، بل يجب أن نعلّم أطفالنا التواضع الذي كان يتمتع به المخلّص. ومن المهم أيضاً أن تمضي العائلة أوقاتاً جميلة خلال هذا الإحتفال. فما الأهمية النفسية والعائلية لأحد الشعانين؟ وما المعنى النفسي للعيد عند الطفل؟ وكيف يمكن إبعاد أطفالنا عن المشاغبات خلال الأعياد؟

تدور منذ فترة جميع أحاديث السيدات خلال «الصبحيات» حول الإستعدادات لـ»أحد الشعانين». فهذا الحديث هو الأكثر تداولاً بين الأمهات، لا سيّما خلال هذه الحالة الإقتصادية التي تفرض على الاهل بعضاً من التقشف. غير أنّ هناك إحتفالاً، والاطفال لا يفهمون المبادئ الإقتصادية والمشكلات المالية التي يمرّ بها البلد والتقشفات التي يجب أن يقوم بها أهل البلد جميعاً لتفادي وقوع كارثة وإنهيار البلد إقتصادياً. فالذي يفهمه الطفل خلال هذا العيد هو شراء ثياب جديدة وتعلّم العادات الدينية واكتسابها، والصلاة وغيرها من الأمور التي تنصبّ في تكوينه النفسي ومشاركته الإجتماعية مع عائلته والمجتمع الذي هو جزء منه. فالعيد جزء لا يتجزّأ من شخصية الطفل.

العيد ومعناه النفسي
يحب جميع الأطفال، وبدون إستثناء، الأعياد والسبب بسيط: لأنهم يشاركون أهلهم ويحاولون بشتى الطرق تقليدهم. ومن أهم ما يقوم به الطفل في العيد هو الظهور بأبهى «طلة» للفت نظر أمه وأبيه. ولكي يحقق مبتغاه، هو بحاجة لثياب جديدة. ويهرع الأهل لتحقيق ما يطلبه الطفل ولكن من المهم جداً أن يفسّرا له أنّ العيد ليس فقط «ثياباً وطعاماً ولقاءات عائلية وإجتماعية…» ولكنّ العيد هو أيضاً الصلاة والتقوى ومساندة ومساعدة الآخرين.

كما يأخذ «أحد الشعانين» بعداً آخر وهو «لقاء العائلة ومشاركة الطعام». فبالنسبة للطفل، تناول الطعام مع الأب والأم والاخوة والاخوات والجد والجدة والعائلة الكبرى… هو ميزة ممتعة. فاللقاء حول المائدة لمشاركة الأطباق والتحاور غالباً ما يكونان شَيّقين. ومن المعروف أنّ الأبناء بحاجة لوالديهما أكثر من حاجتهم للطعام. لذا، من الضروري تواجدهما معاً حول المائدة إلى جانب الأبناء.

يعتبر علم النفس الإجتماعي أنّ تناول الطعام مع الأسرة هو مؤشّر الى قوة العلاقة ما بين أعضائها وقوة التواصل فيما بينهم. وبالتالي، إنّ غياب هذا المؤشر يمكن أن يفسّر بضعف العلاقة بين أفراد العائلة. وخلال الأعياد، تتناول العائلة مجتمعة الطعام في جوٍّ مليء بالغبطة والسعادة والسرور.

وعلى رغم إيجابية هذا الجوّ، نلاحظ أنّ بعض الأفراد، وخصوصاً من الفئة العمرية الشابّة (أي المراهقين)، يتغيبون أو يتهربون من هذا اللقاء العائلي الذي يستدعي التواصل والحوار مع الآخرين ويفضلون أن يكونوا مع أقرانهم. ودور الأهل هو تفهّم أطفالهم المراهقين وتشجيعهم على المشاركة ولو بسيطة في العيد وخلال تناول الطعام.

الدور النفسي للأهل خلال الأعياد
للأهل دور أساسي ليس فقط خلال «أحد الشعانين» ولكن أيضاً خلال الأعياد التي ستلي هذا الإحتفال. ومن أهم مهام الوالدين نذكر:
أوّلاً، تشجيع الطفل لمشاركته في العيد مع العائلة. ذلك سيعزّز شعوره بالإنتماء. ويمكن للاهل خصوصاً الأم أن تطلب من ولدها مساعدتها في تجهيز سفرة الطعام قبل تناول الوجبات وبعده. فمن خلال ممارسة أدوار حياتية وتقديم المساعدة، يشعر الطفل بالإنتماء لعائلته.
ثانياً، مشاركة الطفل في الطقوس الدينية مع العائلة، تساعده لإدراك المفاهيم الإجتماعية، ومنها حبّ الآخر واحترامه وتقديم المساعدة للمحتاجين، ومشاركة الطعام مع الأخوة والأخوات…
ثالثاً، كذلك يعشق الأطفال الإلتقاء بجميع أفراد العائلة خلال «أحد الشعانين» وتبادل الأفكار والمشاعر. وفي بعض الأحيان، يأتي بعض الأشخاص من خارج البلاد للقاء العائلة في هذه الأعياد المباركة ما يزيد غبطة الأطفال خصوصاً عندما يرون أهلهم مسرورين. فأيضاً الأجواء الإيجابية تنتقل من الأهل إلى أطفالهم.
رابعاً، تحقيق الإستقرار النفسي والعاطفي عند الطفل ولا سيما عند الاطفال الذين هم بحاجة لهذا الإستقرار. ولا يمكن أن ننكر أهمية العلاقات العائلية التي تقوّي التلاحم الأسري من خلال مناقشة المواضيع المهمة بين مختلف فئاتها العمرية كما تعزّز الإحساس بالإنتماء ما يَدفع جميع أفراد العائلة للشعور بالأمن والثقة بالنفس.

ولكن كيف يساعد الأهل طفلهم خلال الأعياد؟
من أجمل المراحل التي لا ينساها الطفل خلال الأعياد هي الذهاب مع امه والإستعداد لشراء حاجيات العيد… يجب على الأهل تشجيع الطفل ليختار بنفسه الثياب التي سيرتديها خلال أحد الشعانين، دون أن يتدخّلوا فيؤثروا في اختياره. ولكن طبعاً التدخل من قبل الأهل هو ضروري عندما يختار الطفل ثياباً غير ملائمة.
غالباً ما يعود إختيار الطفل لثيابه إلى الرسوم أو الألوان أو حتّى صور محرّكات، فيتباهى بها أمام أقرانه الذين يتباهون بدورهم بثيابهم الجديدة. ويلعب كلّ من التكوين النفسي والتأثيرات الخارجية وحتى التجارب الشخصية عند الطفل دوراً في اختياره الصحيح والدقيق للثياب. والأهم خلال هذه الأعياد، هو تلقين الطفل، في بيته وفي مدرسته، معنى العيد والأهمية الدينية التي تحملها هذه المناسبات. عندما نرافق الطفل دينياً أيضاً، سيصبح في المستقبل القريب، شخصاً لا يهتم فقط بتفاصيل الحياة اليومية ولكن أيضاً بالشؤون الدينية الاساسية للنموّ الروحي والنفسي على حدٍّ سواء.