ما عاد الأمر خافيا على أحد: في انتخابات طرابلس الفرعية المقرر اجراؤها الأحد: تيار “المستقبل” “عم يلعب صولد” في مواجهة النائب السابق مصباح الأحدب وعدد من المرشحين المستقلين. وليس أبلغ إلى ذلك إلا الجولة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري شخصيا في المدينة لحض الناس على المشاركة الشعبية الكثيفة في اليوم الانتخابي الطويل والاقتراع لمصلحة المرشحة التي دفع بها “المستقبل” مجددا إلى حلبة المنافسة من باب إعادة الاعتبار لها، ديما جمالي.
ويبدو واضحا أن الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري بذل كثيرا من الجهد في الاتجاه نفسه، مستفيدا مما يمكن اعتبارها موهبته في العزف على الوتر الشعبي الحساس، المطبوع بالعطف الشعبي تجاه رئيس الحكومة. غير أن المشهد الانتخابي الطرابلسي يشي بأن “التيار الأزرق” متيقن من أن المعركة الفرعية تتجاوز، في أهميتها، ملء مقعد نيابي شغر بقرار من المجلس الدستوري كشف النقاب عنه في 21 شباط الفائت، إلى ضرورة تكريس “الحضور الأزرق القوي” في صفوف الطائفة السنية، بغض النظر عن الخيارات السياسية التي قد يركن إليها الحريري في لحظات معينة، وقد لا تنزل بردا وسلاما على قاعدته الشعبية التي نادرا ما تخرج على طاعته. غير أن هذا لا ينفي أن “المستقبل” يواجه معركة قوية الأحد بعد أيام على صفعة تلقاها في انتخابات نقابة مهندسي الشمال، حيث خرج خاسرا في مواجهة تحالف ميقاتي – “المردة” – “التيار الوطني الحر”، ما قد يترك تداعيات سلبية على استحقاق الأحد.
إلا أن “المستقبل” لم يفوّت على نفسه فرصة توجيه الرسائل السياسية المشفرة إلى خصوم الحريري، كان أبلغها توسيع بيكار التحالف الذي ضمه إلى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي، ليشمل الخصم الألدّ لـ”التيار الأزرق” أشرف ريفي، بحبر اتفاق هندسه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والوزير السابق رشيد درباس، ليسدد هدفا ثمينا في مرمى الخصوم، وأبرزهم “اللقاء التشاوري” السني الذي، وبدعم واضح من “حزب الله”، نجح في المشاركة في الحكومة، متجاوزا إرادة رئيس الحكومة.
على أن “اللقاء التشاوري” فهم الرسالة جيدا وأيقن أن النبض الشعبي الطرابلسي قد لا يصب في مصلحته، وهو الذي لم يخف يوما امتعاضه من دعوة المجلس الدستوري إلى إجراء انتخابات فرعية، بدلا من إعلان فوز مرشحه طه ناجي، مقدم الطعن بفوز جمالي، تلقائيا. ففضّل الانسحاب من الصورة وصب الجهود على القنص الإعلامي تجاه المجلس الدستوري والحريري، تاركا الساحة الانتخابية لهذا الأخير ليواجه الأحدب. وإذا كان الأخير لاذ بـ”صمت انتخابي” غيّبه تماما عن الصورة على مدى أكثر من شهرين، فإنه كمن للحريري (الذي ابتعد عنه منذ فترة) على كوع انتهاء مهلة تقديم الترشيحات، فأعلن إقدامه على الخطوة في الساعات الأخيرة من هذه المهلة، رافعا، كغيره من مرشحي المجتمع المدني الذين يبدو أنهم لا يخشون القانون الأكثري وحساباته، لواء ضرورة رفع الحرمان عن المدينة وأبنائها، ووضع حد لحقبة طويلة من الوعود الفارغة تستخدم في الزمن الانتخابي لكنها لا تصرف في أي مكان.
وكما المجتمع المدني التواق إلى التغيير، اغتنم المعتقل اللبناني في إيران منذ العام 2015 نزار زكا فرصة هذه الانتخابات الفرعية ليعيد قضيته إلى الضوء، فأقدم على الترشح لهذا الاستحقاق، لتأتيه جرعة دعم مهمة من حيث لم يدر ولم يتوقع: مجلس شورى الدولة. ذلك أن هذا الأخير سجّل سابقة بإبطال قرار وزارة الداخلية رفض ترشيح زكا من حيث الشكل، باعتبار أنه لم يقدم ترشيحه شخصيا إلى الوزارة طبقا لما ينص عليه قانون الانتخاب، فكان أن قبل ترشيح زكا الذي ينافس على المقعد الفارغ من معتقله الإيراني!
إذًا، تختصر الصورة الانتخابية في طرابلس، على مسافة أقل من 48 ساعة على موعد فتح صناديق الاقتراع، كالآتي: حركة مرشحين قد لا تلاقيها بركة الحماسة الشعبية للمشاركة اقتراعا، خصوصا في ظل التحالف العريض الذي نسجه كبار أقطاب المدينة في محاولة لتعزيز فرص جمالي. وفي الانتظار، “الجميع يلعبها صولد”، والأحد لناظره قريب!