Site icon IMLebanon

الروائيون والتاريخ… علاقة الإنسان بظلّه  

كتبت نسرين بلوط في صحيفة “الجمهورية”:

مسألة مزج الأدباء للتاريخ في رواياتهم، حتى وإن لم تكن الرواية تاريخية أو ترصد زمناً معيّناً من الحدث، بمثابة استراحة على شاطئ التحفيز للإستعارة والوصف والتأهّب للإنتقال بالقارئ إلى مرحلة جديدة أو شطر آخر من التنويه والتعبير.

الروائي ليس مؤرّخاً، وقد يرى في التاريخ مادة دسمة وجاهزة للتعبير عن ماهية الشيء وظلّه، مثلما استعارت بينيلوبي لايفلي شخصيات تاريخية والملوك العظماء أيام الرومان، بل ذكرت معارك من الحرب العالمية الأولى والثانية، وكتباً أدبيّة خالدة مثل «الأنياذة» و«الألياذة» للتعبير المسهب عن الحالات الإنسانية التي تتكرّر في جميع الأزمنة، ورفضها للحرب وهواجسها.

طه حسين

ربطت بين الأديب طه حسين والتاريخ علاقات وثيقة موثّقة، إذ كان شديد الإهتمام بالبحث في التاريخ اليوناني والروماني، وأيضاً كان شديد الحرص في التنقيب عن معالم التاريخ الإسلامي.

فجاءت دراسته «فلسفة ابن خلدون الإجتماعية»، والتي نال عنها شهادة الدكتوراه، رصداً للجوهر البيئي في ذلك الزمن البعيد، وتعزيزاً للدور الإنساني الذي لعبه ابن خلدون في ترتيب نظم التقاليد والشؤون المتعارف عليها. وقد كان يرى في التاريخ حركة مستمرّة، ومسألة جدلية ترصد ما يحدث الآن وما حدث في الماضي.

رضوى عاشور

ركّزت على تاريخ الأندلس في روايتها «تاريخ غرناطة»، ولكنها نسجت حكايتها لنضال غرناطة، بخيوطٍ دراماتيكية توهّجت من خلالها الحبكة، إذ مزجت فيها الظلم والقمع بأساطير السحر والعقوبة الصارمة وتاريخ الإنتقال والتشرّد للمسلمين، وتحوّل بعضهم بالإكراه للديانة المسيحية.

نجيب محفوظ

عُرف بولعه بحكاياتٍ مستمدّة من الشارع المصري، اختار عدّة روايات لتكون منبعاً آسراً للتاريخ، وتحرّك من خلالها بمرونة القائد الذي يسيّر الأحداث بسلاسة وحشدٍ للأفكار دون المسّ بالحقيقة. فالخيال المُباح للروائي، لا يجعله يعتدي على مهنة المؤرّخ، الذي بدوره يستمدّ أقواله من الماضي، ولكنّ الكاتب يمزج الميثيولوجيا بالأنطولوجيا بالواقع الصلب. ومن أبرز هذه الروايات: «رادوبيس».

شارلز ديكنز

لُقّب برائد الأدب في العصر الفيكتوري، كتب روايته الشهيرة «قصة مدينتين»، عن الثورة الفرنسية وعلاقتها بالمقصلة وإراقة الدماء، وكيف يستحيل الشعب المسالم البسيط وحشاً كاسراً عندما ينال حريّته، بعد أن قُمع كثيراً وحُبس في الظلام الغاشم قبل أن يبصرها، وعندما لمسها نجّسها، وبخس بها. وهذه فلسفة الحرمان التي ترتدّ عكسيّاً على الشعور المُبرم بالعذاب والظلم.

فيكتور هوغو

تميّز بمبادئ تقديسه للتاريخ، والإشادة به حدّ أن وضع مبادئ خاصة للتعامل معه، إذ رصد فيه بنيةً فلسفية هامّة، وتبنّت رواياته جوانب هامّة منه، انتقلت من عصر الظلمة إلى عصر التنوير.

بوريس تاسترناك

كتب روايةً تاريخية تمّ تهريبها خارج روسيا ونال عنها في ما بعد جائزة «نوبل» بسبب أهميّتها، ورفضت روسيا أن تتسلّم الجائزة واتّهمت الكاتب بالخيانة الآثمة

تركّز الرواية على عصر الثورات والإضطهاد الشيوعي، وقد تدخّلت دولٌ معادية للشيوعية لنشرها والترويج لها، واتّخذت سماتها قناع التاريخ السياسي، وبسببها عاش الكاتب معزولاً حتى الرمق الأخير من حياته.

جرجي زيدان

أثرى المكتبة بالروايات التاريخية التي تتربّع تحت ضوء الترفيه الفكري، إذ تتمحورُ في قالبٍ روائي مسرحي، مع المبالغة في الصدف والوصف المجازي، ولكنها ما زالت رائجة لما تحتويه من معلوماتٍ قيّمة.

مارغريت ميتشل

كتبت عن الحرب الأهلية الأميركية، بأسلوبٍ إنساني، في رواية «ذهب مع الريح»، من خلال أسرة رزحت تحت وطأة الحرب فأرهقتها، وأبرزت حياة الإقطاعيين الأسياد في ذلك الزمن.

ذكرُ بعض الأدباء المتمرّسين في الخيال التاريخي، يبيّن مدى الإنبهار الخاطف بين التاريخ والأدب، والترجمة البنّاءة لسرد الماضي بأسلوبٍ دراماتيكي وميلودرامي، يغلب فيه الخيال، وتثبيت الحبكة بخيوطٍ من نارٍ ونور، دون إحداث خلخلة في الوتد العازف للحدث الأوّلي وصولاً للحدث النهائي، وهو مزجٌ جريء بين الواقع الصلب والخيال المرن، وتحدٍّ لأسيار الزمن وخشونتها. وإذا كان التاريخ كائناً مضى، فإن الرواية هي ما سيكونُ عليه ذلك الكائن في أيّ مكانٍ أو زمان.