كتبت إستال خليل:
لا زالت المرأة العربية تكافح لنيل حقوقها التي تساهم على الأقل بالاقتراب من المساواة مع الرجل في ظل مجتمعات ذكورية بامتياز، فحتى عندما تتعرض للظلم أو الخيانة تكون هي “المخطئة”، وعندما تتطلق تكون هي “الزانية”، وعندما تتعرض للتحرش، يأتي السؤال الأول و”الأذكى”: “شو كنتي لابسة؟”، وكأن الرجل تقوده غريزته الجنسية فقط، ناسياً أن هذه المرأة قد تكون والدته أو زوجته أو ابنته أو اخته أو أي امرأة يحترمها!
كريستين م. (16 سنة)، فتاة لبنانية تعرضت مثل كثيرات لتحرش من قبل سائق التاكسي. فبعد أن قررت الانتقال من الزلقا إلى نهر الموت، استغل السائق جهلها في الطرقات حتى أخذها إلى مكان غير سكني في الكرنتينا.
وقالت كريستين في حديث لـIMLebanon: “أقفل سائق التاكسي الأبواب عليّ، وكان يقود بطريقة جنونية وهاتفي كان قد انطفأ، وقلبي يبنض بسرعة وكنت أشعر بالخوف رغم انني فتاة قوية”. وأضافت: “كنت أجلس في الخلف، أتأمل شعره ورقبته وأقسم انني سأنال منه يوما ما، أحاول أن أحفظ عدد شاماته أو أي شيء قد أتذكره فيه ولو بعد عشرات السنوات”.
وتابعت: “كان يهددني بنظراته، أطفأ السيارة والتفت نحوي، وفي عينيه حيوان مفترس، حاول أن يضع يديه على رجلي بطريقة مقززة، متفوها بكلمات بذيئة لن أنساها، فشعرت أنها فرصتي الأخيرة، إما الهرب إما الموت، فضربته بمظلة كانت معي، وفتحت باب سيارته الجديدة وركضت مسرعة نحو طريق مجهول، حتى وجدت رجلا في سيارته مع زوجته ورجوته أن يوصلني إلى أي مكان، أما هو فبقي مكانه، ولم يلحق بي حتى”.
وعندما سألنا كريستين إذا تقدمت ببلاغ ضده فأجابت بـ”لا، طبعاً لا”، أما عن السبب، فقالت لنا: “لو علم أهلي ما حصل لقتلوني”. ولفتت إلى أنها تخاف أيضا “في حال لم تتم محاسبته، أن تراه مرة أخرى ويحاول أذيتها مجدداً”.
كريستين، لو لم تكن فتاة قوية، ولو كان السائق “أكثر خبرة”، لكان وقع المحظور وانتهت قصتها بطريقة أكثر مأساوية.
أما “فرح”، فتعرضت أيضا لتحرش جنسي عندما كانت متوجهة من الطيونة إلى الأشرفية، ولكنها رفضت التنازل عن حقها وحاسبت السائق في مخفر “حبيش” وفقاً للقوانين المرعية.
مصادر أمنية رفيعة تشير لـIMLebanon، إلى أهمية “حث الفتيات على التبليغ، وأن يتمتعن بجرأة أكبر من أجل أن ينال كل متحرش عقابه”. ولفتت المصادر إلى أنه “يجب تشجيع الفتيات ونشر التوعية اللازمة لحثهن على ذلك، ولمواجهة مخاوفهن، فالأكثر عرضة للتحرش هن القاصرات، اللواتي لا يزلن تحت رعاية أهلهن”. وميزت المصادر بين التحرش والاعتداء الجنسي، على أن يكون العقاب صارماً في الحالتين.
المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية الدكتورة كارول سعادة تؤكد في حديث لـIMLebanon أن “الفتيات يستطعن وبحسب شخصياتهن أن يدافعن عن نفسهن بوجه هذه الحوادث، ولكن العمر له التأثير والدور الأكبر في ذلك”.
وتشير إلى أن “المتحرش هو الشخصية الطاغية على الفتاة، وقد يتّبع في أغلب الأحيان أسلوب التهديد والترهيب ليتمكن من التحكم بشخصية الفتاة، ولديه نوع من التهور في شخصيته وعدم السيطرة على نزواته، كما انه قد يكون يعاني من مشاكل نفسية أو “بيدوفيليا” (يستهدف الأطفال جنسيا) أو حتى مشاكل بطريقة تفكيره”.
وعن أسباب خوف الفتاة التي تعرضت للتحرش من التبليغ عن الفاعل، وتكتمها عما حصل، توضح سعادة أن وجودها في محيط متحفظ يتبع تقاليد معينة قد يكون من الاسباب الأساسية لذلك.
ولفتت سعادة إلى أن هناك فتيات يخبرن أهلهن بما حصل، لكن يرفضن التبليغ، ويعود ذلك إلى الخوف الذي خلقه المتحرش في نفسيتهن، والظن أنه قد يعيد ما فعل، أو أن يضعهن هدفا للانتقام أو للأذية، باعتبار أنه إن عوقب أو لا فلن يمنعه شيئا من الإنتقام مجدداً.
وعن تأثير التحرش على نفسية الفتاة، تقول سعادة: “في أغلب الأحيان يتحول هذا النوع من التحرش إلى قضية نفسية، قد تتأقلم الفتاة معها أو قد تبلغ عن الفاعل، وذلك بحسب شخصيتها. وإذا استطاعت أن تدافع عن نفسها حينها أو التبليغ، فالأمور ستصبح أسهل من “كبت” الموضوع”، مضيفة “يعتبر العلاج النفسي، أكثر من ضروري للأشخاص الذين أثر هذا التحرش على نفسيتهم أو على حياتهم، أو قد تعرضوا له لأكثر من مرة”.
بدلاً من أن تكوني الحلقة الأضعف، كوني الحلقة الأقوى. كوني صاحبة الحق ولا تسكتي على الظلم، وإن سكتي اليوم، فغداً قد تصبح ابنتك أو اختك الضحية ايضًا!