Site icon IMLebanon

رسائل شعبية في صناديق الاقتراع الطرابلسية

ليست عودة النائبة ديما جمالي إلى مقعدها النيابي النتيجة الأهم التي خلص إليها اليوم الانتخابي في عاصمة الشمال الأحد، ذلك أن نجاح تيار “المستقبل” في إعادة ديما جمالي إلى مقعدها النيابي ليس مفاجئا، في مقابل القنبلة الشعبية من العيار الثقيل التي فجرها الطرابلسيون في وجه أقطاب المدينة المشاركين في المعركة.

صورة قد تفسرها استعادة السياق السياسي الذي أتى في خلاله الاستحقاق الفرعي في الفيحاء. فبعدما أصدر المجلس الدستوري قرار إبطال نيابة جمالي، ودعوة الهيئات الناخبة إلى انتخابات فرعية، تسرعت التحليلات في اعتبار جمالي عائدة من دون معركة إلى مقعدها، بفعل هدية إلى رئيس الحكومة لشد العصب السني في الاتجاه الأزرق، وتأكيد الحضور المستقبلي الكاسح على الساحة السنية، فكان أن وظف الأمين العام للتيار أحمد الحريري في الميدان الشمالي موهبته في اللعب على الوتر الشعبي الحساس وحض الناخبين على الاقتراع مجددا لجمالي، العائدة إلى ساحات المنازلة بدفع من رئيس الحكومة شخصيا. كل هذا لا ينفي أن كوادر التيار الأزرق تحسسوا النبض الشعبي ودأبوا على التحذير من مغبة استسهال المعركة. بدليل أن اليوم الانتخابي انتهى إلى مقاطعة شبه شاملة، تجاوزها 13% فقط لا غير من الناخبين، في نسبة متدنية جدا، قد تكون الأولى من نوعها من حيث الانخفاض غير المسبوق، ما يعد رسالة قاسية تلقاها “المستقبل” وحلفاؤه ممن اعتبرت يوما القاعدة الأهم للحريرية السياسية.

على أن الحريريين عمدوا إلى إعطاء المعركة طابعا سياسيا سياديا تحت عنوان المواجهة المفتوحة مع “حزب الله”. كيف لا والانتخابات الفرعية أتت بعد شهور على نجاح “اللقاء التشاوري” السني في تسجيل هدف حكومي ثمين في مرمى الحريري، فلم يجد هذا الأخير أفضل من اللواء أشرف ريفي، ذي الخطاب السيادي العالي السقف، ورقة (من المفترض أن تكون رابحة) لضمه إلى التحالف الواسع الذي جمعه إلى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي، بجهود من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الصقر المستقبلي السيادي هو الآخر.

على أن الموضوعية تقتضي الاعتراف لأركان المدينة، لاسيما منهم “المستقبل”، بأن خطوتهم هذه أدت الغرض منها، وهو تعبيد طريق العودة إلى المجلس أمام جمالي، وإزالة كل الألغام التي وضعها معارضو تيارها على درب استعادة مقعدها النيابي، حتى أن طه ناجي المرشح الخاسر الذي كان بادر إلى تقديم الطعن بنيابة جمالي عزف عن الترشح، تاركا لتيار “المستقبل” خوض منافسة غير متكافئة مع بعض الدائرين في فلك المجتمع المدني، الذين راهنوا على إرادة التغيير للدخول إلى الجنة النيابية. لكن المفاجأة التي أتتهم بها صناديق الاقتراع كانت على غير ما اشتهت سفنهم، حيث إن إرادة التغيير هذه تجلت في المقاطعة، لا في الاقتراع لمصحة الوجوه الجديدة، فيما يتيح القول إن الأولوية لدى أبناء “مدينة الفقير” كانت في توجيه الرسائل المشفرة إلى أركان المدينة المتعددة الأقطاب .

وفي انتظار ردة الفعل الزرقاء على المقاطعة الشعبية، يراهن البعض على ألّا يكون التحالف الواسع الذي أفقد المبارزة طابعها السياسي مجرد محطة انتخابية يلتقي عليها حلفاء الأمس لأغراض انتخابية بحتة، ويتفرق بعدها العشاق ليعودوا إلى القنص في اتجاه بعضهم البعض من وراء المتاريس السياسية التي لطالما فرقتهم.