في أكثر اللحظات تأزما في تاريخ العلاقات الاميركية-التركية، وبعد شغور امتد منذ نهاية العام 2017 اثر انتهاء ولاية السفير جون باس، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترشيح الديبلوماسي المحنّك، الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس البعثة الأميركية في العراق وسفير واشنطن لدى لبنان ومدير شؤون الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي ولدى سفارات بلاده في سوريا وتونس والسعودية، مستشار وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد لمنصب سفير الولايات المتحدة في أنقرة.
وورد في بيان صادر عن البيت الأبيض أن ترامب عيّن ديفيد مايكل ساترفيلد سفيرا لبلاده لدى تركيا فيما على الأخير الحصول على موافقة مجلس الشيوخ قبل إقراره سفيرا.
وفيما يفترض ان يوافق مجلس الشيوخ في عملية التصويت على تعيينه، كشف ساترفيلد في جلسة الاستماع في لجنة العلاقات الخارجية في المجلس أن العلاقات التركية – الأميركية تمر بمرحلة صعبة، مؤكدا أن تركيا تخاطر بشكل كبير بمشاركتها في برنامج إنتاج مقاتلات “إف-35” وقد تواجه عقوبات. وشدد على ضرورة أن تحدد تركيا، كعضو مهم في حلف “الناتو”، قرارها الصحيح في شأن صفقة منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-400”. وأوضح أن في حال الموافقة على ترشيحه للعمل كسفير في أنقرة، فإنه سيضغط على تركيا من أجل اتخاذ القرار الاستراتيجي الصحيح. وقال إذا أصرت تركيا على شراء المنظومة الروسية، فإن الولايات المتحدة لن تبيع لها منظومة الدفاع الأميركية “باتريوت”.
في قراءة لأبعاد الخطوة الاميركية، تقول اوساط ديبلوماسية غربية، لـ”المركزية”، إن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية انحرفت للمرة الاولى عن طابعها التاريخي الاستراتيجي في ضوء ارتفاع حدة المواجهة بينهما على خلفية منظومة الدفاع الروسي إس-400 التي يتمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمضي قدما فيها واستلامها قبل شهر تموز المقبل، في حين يهدد البنتاغون بـ”عواقب وخيمة” إذا ما تمت الصفقة.
وتضيف: “تعرضت العلاقات بين الدولتين خلال العقود الاخيرة لسلسلة انتكاسات تم تجاوزها في ظل تنوع الملفات الخلافية، بيد ان التأزم بلغ ذروته وتصاعد تدريجا من لحظة وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض حيث اتسعت هوة الخلاف بين الحليفين في شكل متسارع، الى درجة بدأت تطرح تساؤلات عما اذا كانت الأزمة الحالية ستشكل النقطة التي يفيض بها كأس تأزم العلاقات، فتنفجر”.
الا ان الاوساط تعرب عن اعتقادها ان الامور لن تبلغ هذا الحد، “فالتصعيد الاميركي مجرد ضغط على انقرة للتراجع عن صفقة منظومة الدفاع الصاروخى الروسية، وإن ساترفيلد، الذي سينال حتما موافقة مجلس الشيوخ، سيوظف جهوده في اتجاه ترميم العلاقات، على رغم التعقيدات الكثيرة التي ستواجهه، وأبرزها مستقبل العلاقات الاميركية – الأطلسية مع تركيا، فضلا عن اصرار واشنطن على مواصلة دعم أكراد سوريا، وهذا ما لا ترغب به تركيا”.
في هذا المجال، تعتبر الاوساط ان من مصلحة الطرفين التركي والاميركي الوصول الى تسوية ترميم العلاقات وهذا ما تتطلع اليه الادارة الاميركية من تعيين ساترفيلد سفيرا لدى انقرة، لأن خلاف ذلك سيفتح صفحة من المواجهات ارتداداتها سلبية على الجانبين، لاسيما إزاء مستقبل قاعدة “انجرليك” الجوية التي يستخدمها سلاح الجو الاميركي، ومستقبل شمال سوريا والأكراد و”قوات سوريا الديمقراطية” التي رصد البنتاغون لها 350 مليون دولار في موازنته لسنة 2020. فيما يحمل حصول انقرة على نظام “اس-400″ الروسي انعكاسات أمنية ليس فقط تجاه واشنطن انما تجاه قيادة الـ”ناتو”، التي لن تسمح لعضو فيها، مثل تركيا، بتملّك أنظمة عسكرية تابعة لمعسكر ما زال يُصنف بـ”الخصم” و”المنافس”.