عشية فتح أوراق الموازنة على طاولة مجلس الوزراء في الايام المقبلة، انطلقت سلسلة اتصالات بين القوى السياسية، ماليّة الطابَع والمضمون، هدفها التدارس في تأمين إيرادات أوفر للخزينة وفي سبل تخفيض نسبة العجز، بما يتناسب والتزامات لبنان الدولية. أبرز هذه الاجتماعات احتضنه الأحد بيت الوسط وجمع الى الرئيس سعد الحريري، وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وزير المال علي حسن خليل ونائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان ومعاون الامين العام لحزب الله حسين الخليل… اللافت، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، هو ان اللقاء الجامع هذا، انعقد ليس فقط، على وقع حديث الرئيس الحريري عن اجراءات صعبة تقشفية مطلوبة لعدم تكرار التجربة اليونانية المرّة في لبنان، لكن أيضا غداة كلام متقدّم للوزير باسيل في هذا الشأن قال فيه “هناك قرارات صعبة، كلنا يسأل مَن يحملها وكيف نعلنها، فلنتحمّلها جميعاً، ونعلنها معاً، فليس لدينا نقص بالجرأة، وقلنا من أول يوم، دين الدولة يجب ألا يكون هكذا، ويجب أن ينزل. على موظفي الدولة القبول بأنهم لا يستطيعون الاستمرار على هذا المنوال، ومَن يحزن أنه سيخسر نسبة معينة من التقديمات التي يحصل عليها، فليفكر إذا لم نقم بذلك، فلن يحصل بعدها على شيء”.
فهل هناك توجّه رسمي نحو المسّ برواتب القطاع العام، لتخفيضها؟ أو نحو تجميد سلسلة الرتب والرواتب، أو الاقتطاع من الخدمات التي يستفيد منها موظّفو الدولة ومنهم العسكريون؟
هذه الاسئلة باتت مشروعة في ضوء المواقف الصادرة عن القادرين على الحل والربط في الدولة. ومع أن لا شيء محسوما حتى الساعة، خاصة وأن “تابلو” مواقف الأفرقاء المحليين، من هذه التدابير، لم تتبلور معالمه النهائية بعد، تشير المصادر الى ان لا بدّ من تذكير الحكومة التي فتحت ورشة “الموازنة” على مصراعيها، بأن أمامها مزاريب هدر لا تعدّ ولا تحصى، من المفروض ان تلجأ الى سدّها، قبل “معاقبة” اللبنانيين ومدّ يدها الى جيب المواطن – بغضّ النظر عن أحقّية ما يتقاضاه من رواتب وما يحصل عليه من “امتيازات” وخدمات.
فاذا كان تأمين الوفر والمداخيل الاضافية هو المطلوب، الطرق التي تقود الى هذا الهدف، كثيرة. وهنا، تستشهد المصادر بكلام للباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين قال فيه “قبل المسّ بسلسلة الرتب وفتح ملف التوظيف وزيادة الضرائب المرهقة، هناك املاك سائبة للدولة وثروات مهدورة يجب ان تستعيدها”، مشيرا “الى خمسة ملايين متر مربع من الاملاك البحرية التي لا تقل ايراداتها السنوية عن 500 مليون دولار، ومبالغ تسوية المخالفات فيها لا تقل عن مليارين ونصف المليار دولار”، واقترح ايضا “استرداد الدولة ادارة وتشغيل قطاع الخلوي من الشركات الخاصة الذي يدرّ مليارات الدولارات، وتقليص الفائدة المصرفية(..) الى ذلك، ودائما بحسب شمس الدين، تدفع الحكومة اللبنانية سنوياً نحو 200-220 مليار ليرة كبدل إيجار للأبنية والعقارات التي تشغلها المؤسسات الحكومية من وزارات ومدارس والجامعة اللبنانية ومؤسسات عامة أخرى، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر مبنى “الإسكوا” وسط بيروت الذي كلّف الدولة منذ تاريخ استئجاره عام 1997، حوالي 170 مليون دولار أميركي، اذ تصل كلفة الإيجار السنوي اليوم الى 10 ملايين دولار، علما ان هناك عقارات تابعة للدولة اللبنانيّة في بيروت يصل عددها لنحو 225 عقارا، مبنيّة وغير مبنيّة، يمكن الاستفادة منها”.
الاجدى اذا، ان تبدأ الحكومة بـ “شدّ الاحزمة” في هذه المكامن. أما أي اجراءات تمسّ لقمة عيش المواطن، فستكون غير معروفة النتائج. وقد تولّد ثورة شعبية – عمّالية عارمة ظهرت تباشيرها في صناديق طرابلس الفارغة الأحد، تختم المصادر.