كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
الحديث عن تراجع الأحوال في لبنان أصبح علنيا، ولم يعد يفيد بشيء تجاهل الوقائع، او المكابرة والهروب الى الأمام. والإخفاق بإدارة الدولة واضح، وكذلك الفشل في تدبير أمور الاقتصاد، وحرمان الحراك الاقتصادي من أي رعاية واقعية تحميه من التهديدات التي يتعرض لها، كل ذلك فرض التعامل مع مقاربة جديدة، تؤكد أن لبنان يعيش حالة مرضية سياسيا وماليا واقتصاديا، رغم إيجابية الاستقرار الأمني الذي ينعم فيه.
يقول سياسي مخضرم عايش مراحل متعددة مرت على لبنان: إن نموذجا مختلفا من التعاطي السياسي ظهر على سطح الأحداث اللبنانية، وهذا النموذج غير واضح، وبقدر ما يشعر بعض المروجين له بالتفاؤل، هناك من يتخوف الى حد القلق من نتائج هذا النموذج على المستقبل، وهذه النتائج قد تطيح بالصيغة اللبنانية بكاملها، لصالح فوضى هدامة، تخرب ما تبقى من توافق هش بين مكونات المجتمع اللبناني.
ويتابع السياسي المخضرم ذاته: إن حالة الاختناق المالي والاقتصادي التي يعيشها لبنان، لم تأت بالصدفة، ولا هي جراء عوامل مفاجئة، بل كانت نتيجة طبيعية لحالة الاستهتار التي مارستها غالبية الطبقة السياسية منذ العام 2014، والتي لم تتعامل بعاطفة وطنية، بينما كان البلد يتآكل جراء الفراغ بموقع رئاسة الجمهورية لعامين ونصف العام، وما نتج عن هذا الفراغ من وضعية تصريف أعمال حكومية محدودة التأثير. كما أن نموذج التعاطي السياسي الذي برز بعد انتخاب الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر 2016 حتى اليوم، لم يبد أنه في مستوى مواجهة التحديات، بل هناك ارتجالية سياسية ربما تودي الى السقوط في هاوية أعمق بكثير من الحفر التي سقط فيها لبنان حتى اليوم.
وتآكل الدولة واقعة لا يمكن نكرانها، وكي لا نتهم بالتهويل، نحيل المشككين بهذا الكلام الى ما يقوله كبار المسؤولين، وآخرهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تحدث عن مساع حثيثة تبذل لتجنب الوقوع فيما وقعت فيه اليونان التي وصلت الى حافة الإفلاس. وكلام هؤلاء المسؤولين لا يأتي من فراغ، والجميع يعرف أن مالية الدولة تعاني من كبوة كبيرة ومخيفة. ففي المرحلة الأخيرة تم طرح سندات خزينة لاستدانة مبلغ 2600 مليار ليرة لبنانية لتأمين سيولة ضرورية لتسيير شؤون الدولة وللرواتب، فلم يتم شراء سوى 600 مليار من هذا المبلغ، أي أن الجهات التي تدين الدولة أصبحت مترددة في الإقدام على شراء سندات الدين، وهذا ما لم يحصل ولا مرة سابقا.
ويرى السياسي المخضرم ذاته أن بعض النافذين في دوائر الحكم، لا يتمتعون بخبرة كافية لإدارة شؤون الدولة، وهؤلاء مسؤولون عن تعطيل مرافق أساسية لأسباب تتعلق بمصالح فئوية او شخصية. وخطابهم السياسي الذي يرتكز على التسويق السياسي لتياراتهم، او لأشخاصهم، ينذر بإشعال اضطرابات جديدة، لأن بعض القوى – او الطوائف – تشعر بأنها مستهدفة دون غيرها. كما أن هذا الخطاب لا يراعي المشاعر الوطنية العامة، فجميع اللبنانيين مثلا: متحمسون لعودة النازحين، فلذا لا يطالب أصحاب الخطاب الاستفزازي بإقامة مخيمات محمية دوليا لهم على الأراضي السورية، وتوفير وسائل العيش هناك، بدل المزايدة.
إن التصرف بعقلية الحزب الحاكم، لا يمكن أن تؤدي الى إصلاح الوضع في لبنان، ذلك أن الذين يتصرفون بمونة كبيرة على مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة، متهمون أكثر من غيرهم بالتفريط بمصالح اللبنانيين، وحساباتهم السياسية والشخصية، أدت الى وضع لبنان على خط التوتر العالي في الإقليم، وأفقدته تموضعه الوسطي – او النأي بالنفس – واللبنانيون يدفعون ثمنا غاليا مقابل هذه السياسة – ودائما وفقا لرأي السياسي ذاته.