Site icon IMLebanon

هل مشروع الموازنة هو الحل الوحيد للخروج من المأزق الاقتصادي؟

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

تتريث الحكومة في وضع مشروع الموازنة العامة على جدول أعمال مجلس الوزراء للمباشرة بمناقشته واقراره، بانتظار الانتهاء من وضع الأسس الضرورية لإرساء صيغة مقبولة توازن بين التزام سياسة عصر النفقات وإغلاق مسارب الهدر والفساد من جهة مع استمرارية توفير حاجات ومتطلبات المواطنين الضرورية وتسيير أمور الدولة بكل قطاعاتها وعدم المس بأساس الرواتب والاجور لموظفي القطاع العام من جهة ثانية، ما يتطلب دراسة متأنية ومعمقة لتحقيق التوازن المطلوب ضمن الصيغة المذكورة، ولتوفير الظروف المؤاتية سياسياً لعبور مشروع الموازنة مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي بأقل قدر من التجاذبات وشد الحبّال باعتبار انها المرّة الأولى التي ستطال فيها التخفيضات وتقليص حجم المبالغ المالية التي كات تتضمنها الموازنات السابقة أموراً ومسائل تخص بمعظمها منتفعين سياسيين مباشرة أو بالواسطة.

وبالرغم من المواقف المبدئية لسياسيين ومسؤولين بارزين تشدد فيها على تأييد مثل هذه الصيغة بشكل علني وأمام وسائل الإعلام، إلا انه يبدو من خلال النقاشات الضيقة والمجالس المغلقة بأن اعتراضات وتحفظات سياسية ما تزال تدور حول نسب التخفيضات التي ستطال بعض مكونات الموازنة ومسائل فيها لاعتبارات سياسية ومصلحية، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد التحضيرات الجارية لوضع الصيغة النهائية للمشروع قبل عرضه على مجلس الوزراء، مع علم الجميع بأن تسريع مناقشة واقرار الموازنة بشكل عام، يصب في مصلحة لبنان عموماً ويعطي إشارات إيجابية، ليس للداخل اللبناني فحسب وإنما للدول والجهات المصرفية الدولية التي تلحُّ على إقرار موازنة جديدة تتضمن سلسلة إصلاحات جذرية وتعبّر عن سياسة الدولة المالية واستجابتها لمتطلبات تقليص العجز التي وعدت بها في بيانها الوزاري والانطلاق قدماً في المباشرة في إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية وتشجيع الدول للايفاء بالتزاماتها في مؤتمر «سيدر» والبدء بتنفيذ روزنامة المشاريع الحيوية والضرورية التي تضمنها لمساعدة لبنان في عملية النهوض الاقتصادي. ولعل تحسس جميع القيادات السياسية والسلطوية بالوضع المالي الدقيق الذي يمرُّ به البلد حالياً وهو ما يستوجب الإسراع بإقرار مشروع الموازنة الحالي لتفادي مزيد من التأخير والضرر الذي يلحق بلبنان جرائه، فإن تحقيق التوافق السياسي المسبق بين المكونات السياسية على ما تضمنه المشروع، أمر ضروري جداً لئلا تؤدي الخلافات بشأنه لدى طرحه على المناقشة إلى تعثر اقراره بشكل نهائي أو عرقلته لبعض الوقت، ما يعطي الدول المانحة للبنان للايفاء بالتزاماتها، إن كان من خلال مؤتمر «سيدر» أو من خارجه وهذا سيلحق ضرراً فادحاً بالاقتصاد اللبناني وبالوضع المالي أيضاً.

ولذلك، وبالرغم من ضرورة تسريع وضع مشروع الموازنة قيد المناقشة على طاولة مجلس الوزراء، يلاحظ بوضوح ان هناك رغبة بدراسة كافة بنود المشروع ومضامينه والتركيز على مكوناته وتوفير أوسع غطاء سياسي وتوافق استباقي بخصوصه لتفادي أي تملص أو انحياز لبعض المعترضين من الذين ستطالهم التخفيضات أو الإصلاحات التي ستتضمنها الموازنة المقترحة، لا سيما مع بروز اعتراضات من هذا النوع في الشارع من قبل البعض وتلويح الآخرين بالانضمام إليهم والتضامن معهم تمهيداً لتشكيل حالات ضاغطة على الحكومة في مرحلة طرح مشروع الموازنة على مجلس الوزراء قريباً.

ومع ان كافة المسؤولين، في الحكومة أو خارجها، يعلمون ان تخفيض النفقات في مشروع الموازنة سيواجه باعتراضات من هنا وهناك ولا سيما من بعض المتضررين الذين ستطالهم ومعظمهم من المنتفعين عن غير وجه حق وبالرغم من شمولها مغبونين في بعض القطاعات، الا انه ومع ذلك، فإن مشروع الموازنة المقترح بكل مكوناته، يبدو الحل الوحيد المتوافر للخروج من مأزق الوضع المالي الدقيق الذي يمر به لبنان حالياً وليس من حل بديل عنه يمكن اعتماده في الوقت الحاضر، باعتبار ان الحلول الأخرى، أياً كان لن تؤدي إلى معالجة الأزمة القائمة، بل ستزيد من تداعياتها وتكلفتها في المرحلة المقبلة، ولذلك يمكن وصف الموازنة المقترحة بالموازنة الإنقاذية.