وحدت كارثة حريق أعرق وأشهر وأقدم معالم باريس الدينية والسياحية، الانسان من اقصى الشرق الى اقصى الغرب امام هول الصدمة التي خلّفها تهاوي التاريخ في لحظة، بنيران مفتعلة او “بريئة” لا فرق على مستوى حجم الخسارة ورمزيتها، اندلعت في جوهرة كاتدرائيات فرنسا، نوتردام دو باري. النكبة التي اصابت العالم عموما وفرنسا خصوصا خلقت حالا من الذهول وبدت باريس في حداد وطني، ذلك ان انهيار اجزاء اساسية من المعلم التاريخي المبني على مدى مائة واثنين وثمانين عاما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر مسّ في الصميم قلوب الفرنسيين الذين اقترن اسم كاتدرائيتهم بتاريخهم الوطني، نسبة لما شهدت عليه من محطات كان ابرزها تتويج نابوليون بونابرت امبراطورا.
موجة الاسف والحزن التي عمت العالم وعبرت عنها دول وحكومات وشخصيات اكدت تضامنها مع الشعب الفرنسي مبدية استعدادها لتقديم المساعدة والدعم، تكاد توازي حجم علامات الاستفهام التي طُرِحت حول الحريق واسبابه في مكان على هذا القدر من الاهمية تزامنا مع أعمال صيانة لإعادة ترميم سقف الكاتدرائية الذي تأثر بمرور السنين، بما له من رمزية على اكثر من مستوى، خصوصا ان حجم الحريق الذي اندلع في لحظات يعزز فرضية العمل المدبّر، على رغم ان الشرطة والسلطات الفرنسية كافة تحاذر الخوض في مثل هذه الفرضية نسبة لأبعادها البالغة الخطورة، فيما لو ثبت ذلك، وهي تلتزم الصمت في انتظار التحقيقات التي انطلقت اثر اطفاء آخر بقعة نار في العاشرة والنصف صباحا وسط حذر شديد واجراءات أمنية في محيط موقع الحدث والمنطقة التي شهدت توافدا لعدد من الفرنسيين المؤمنين الذين رفعوا الصلوات في الشوارع طوال الليل. التحقيقات بحسب ما تكشف مصادر معنية لـ”المركزية” تجري بإشراف الشرطة القضائية – فرع باريس، وتركّز على الاستماع الى فريق العمل الذي تواجد في الكاتدرائية قبل اندلاع الحريق ويضم مهندسين وتقنيين وفنيين وعمالا يعملون على صيانة السقف منذ ما يناهز الشهر ويتواجدون في المكان في شكل يومي.
وتوازياً، بدأت فرق من الخبراء المتخصصين بمراقبة هيكل البناء وفحص اجزاء الكاتدرائية كافة لتحديد مدى الضرر الذي اصاب الجدران وقابلية اعادة ترميمه وعلى اي اساس سيتم ذلك والمدة الزمنية المفترضة لاعادة المعلم التاريخي الى سابق عهده، خصوصا ان ملايين السياح من جميع أنحاء العالم يزورونه سنوياً.
وفيما أعلن جهاز الإطفاء في العاصمة الفرنسية عن إخماد الحريق “بالكامل” بعد نحو 15 ساعة على اندلاعه، موضحا انه امتد “بسرعة كبيرة في السقف الخشبي” للصرح العالمي على مسافة “ألف متر مربع تقريبا”، وتركزت عمليات الاطفاء صباحا على برجي الأجراس العملاقين في الكاتدرائية والتأكد من عدم تعرضهما للدمار، اكد خبراء في مجال اطفاء الحرائق ان الانتقادات التي وُجهت على خلفية عدم استخدام طائرات اطفاء الحرائق للقضاء سريعا على النيران غير مشروعة، ذلك ان المواد التي تضخها هذه الطائرات بغزارة يمكن ان تتسبب باضرار تكاد تفوق اضرار الحريق نفسه في معلم تاريخي سياحي نسبة لما يحتوي من اثار قيّمة حتى انها قد تؤدي الى انهيار الجدران.
وفي انتظار نتائج التحقيقات التي ستفرز الخيط الابيض من الاسود وتحسم الجدل حول اسباب الحريق، ومع تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة بناء الكاتدرائية وتوالي التبرعات من مجموعات وشركات ومنظمات فرنسية وغير فرنسية، تقول المصادر ان الحادثة على سلبياتها خلقت حالا من التضامن بين الفرنسيين حتى من الاشدّ عداء للرئيس ماكرون، ستطوي، ولو الى حين، صفحة الاحتجاجات والتصعيد السياسي الذي يستهدف ماكرون بحيث يوظفه لتعزيز وضعيته المترنحة.