كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
بعد ما إعتبر البعض نتائج الانتخابات الفرعية في طرابلس «هزيمةً» لتيار «المستقبل» على رغم من فوز مرشحته ديما جمالي، يعترف «مستقبليون» أنّ «تراجع التيار على المستوى الشعبي في طرابلس مرتبطٌ بتراجعه في كلّ لبنان، وأنّ أمام رئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري 3 سنوات حاسمة، فإمّا الإنقاذ وإمّا سيحكم الناس على التيار أنه مشروعٌ غيرُ قابل للحياة».
تسري أسبابُ نسبة المقترعين الضئيلة في إنتخابات طرابلس الفرعية التي أُجريت الأحد، على مختلف القوى السياسية، وكذلك على معظم الشعب اللبناني الذي يعاني من الوضع الإقتصادي والإجتماعي السيّئ نفسه.
أمّا على صعيد تيار «المستقبل» تحديداً، والذي شهد ذروة النجاح والتمدد مع المؤسّس الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حياته وإستشهاده في 2005، فتُشكِّل نتائج هذه الإنتخابات إشارة جديدة إلى تراجع «التيار» المستمر تدريجاً منذ 2009 وظهر في محطات أساسية عدة.
فالإنتصار الذي حققه تيار «المستقبل» وقوى 14 آذار في الانتخابات النيابية عام 2009 لم يُترجَم إنتصاراً سياسياً كاملاً، بل أتى بعد التفاهمات في الدوحة عام 2008 التي أدت إلى إضعاف قدرة التحرك لدى المجموعة المنتصرة وكذلك لدى الحكومة التي ترأسها الحريري. وتجلّت نتائج هذه التفاهمات بذهاب الحريري إلى سوريا، ما أدى إلى إحباط جمهوره الذي طرح حينها علاماتِ إستفهامٍ عدة، وسأل كثيرون: «إذا كنتَ ستزور بشار الأسد فلماذا كنا نناضل ونقاوم كل ذلك الوقت؟ ولماذا استشهدت خيرة رموزنا؟».
لكنّ للوجود في السلطة فوائده، فشهد لبنان حينها فترة إستقرار وشعر الناس بحراك إقتصادي، ووصل النموّ الإقتصادي خلال عامين إلى 8 في المئة، إلى حين الإنقلاب على الحريري عام 2011 واضطراره الى مغادرة لبنان.
بدورها، شكّلت هذه المرحلة إنتكاسةً كبيرة بالنسبة إلى «المستقبل» بسبب وجود قيادته خارج لبنان، فشعرت القاعدة بالحيرة والتململ خصوصاً عند ظهور علاماتٍ متضارِبة بين إيجابية وسلبية حول مستقبل الحريري… أبرزها من «حليفه الجديد» الذي أرسل له «one way ticket».
إلى ذلك، كانت لـ«الثورة السورية» منذ انطلاقتها تداعياتها على الشارع السني في لبنان، فتفاعل السُنة عموماً معها وتحمّس بعضهم في البداية إلى حدِّ المطالبة بدعم كامل لهذه الثورة وبمختلف أشكالها، المتطرّفة والمدنية، حتى إنّ البعض اعتبر أنه يجب التفاهم مع «جبهة النصرة» لمواجهة حلفاء النظام السوري في لبنان، ولقد اضطر قياديو «المستقبل» حينها الى خوض كثير من الحوارات والنقاشات القاسية مع هؤلاء، واتُهموا خلالها بالردة وهوجموا كثيراً لأنّ «التيار» رفض التحالف مع التطرف بغض النظر عمّا إذا كان إسلامياً أو غيرَ إسلامي.
أمّا الضربة الأكبر لـ«المستقبل» في الشارع الشعبي السني الطرابلسي فكانت حين رفض «التيار» الدخول في ما عُرف بـ«معارك المحاور»، وكانت المدينة تشهد أوضاعاً صعبة جداً، إلى حين اتخاذ قرار سياسي بإنهاء هذه المعارك والفلتان الأمني في المدينة الشمالية.
وعلى المستوى السياسي، إضافةً إلى المهادنة أو «ربط النزاع» مع «حزب الله» التي «لا يُمكن أن يتقبّلها جمهور التيار»، أثار التحالف مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وتحديداً رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، حفيظة جمهور «المستقبل» بنحوٍ كبير. وعلى رغم مرور نحو 3 سنوات على التسوية الرئاسية ما زال كثيرون من مؤيّدي «التيار الأزرق» يعبّرون يومياً عن إمتعاضهم من هذه التسوية ومن التحالف مع باسيل «الشخصية غير المُستحَبة لدى هذا الجمهور».
كذلك، لعب إنفصالُ إبن طرابلس الوزير السابق اللواء أشرف ريفي عن «التيار» دوراً أساساً على مدى السنوات الماضية في هزّ شعبية «التيار» في عاصمة لبنان الثانية، ولم تؤثّر عودتُه أخيراً إلى «المستقبل» ومصالحتُه مع الحريري بنحوٍ واسع على دعم «المستقبل» شعبياً وتخفيف نقمة الناس عليه، خصوصاً أنّ الوضع الإقتصادي لم يتغيّر وهناك إنطباع لدى كثيرين أنّ «حزب الله» هو الرابح من كل التسويات والمصالحات. ويشعر السنة عموماً، والطرابلسيون منهم خصوصاً، أنهم أقلية سياسية وإجتماعية وإقتصادية.
وفي هذا المجال، يشكّل الدعم المالي الذي كان يضخّه «المستقبل» بأشكال مختلفة دوراً أساساً على المستوى الشعبي، خصوصاً في منطقة تشهد النسب الأعلى من الفقر والبطالة في لبنان، ويظهر في السنوات الأخيرة، حسب «مستقبَليّين»، أنّ هذا «السخاء» انتهى عملياً لأسباب تتعلّق بوضع الحريري المالي. أمّا في هذه الانتخابات النيابية الفرعية تحديداً، فلا يُخفي «مستقبليون» أنّ خيار المرشح لم يكن شعبياً.
ومثلما يعاني لبنان للنهوض وإنقاذ نفسه من الإنهيار، كذلك يعاني تيار «المستقبل»، وعلى الحريري لعب الدور الإنقاذي على الصعيدين الخاص والعام.
ويقول مسؤولون في «المستقبل» لـ»الجمهورية»: «إذا أردنا أن تكون لدينا فرصة جدية في الانتخابات النيابية المقبلة في 2022، علينا إجراء دراسة معمقة وتبيان مكامن الخلل ومعالجتها وأن نجد شعارات سياسية يتقبّلها الناس ويتفاعلون معها جدياً ولكن بعيداً من الشعبوية، إضافةً إلى العودة إلى الخيارات المناسبة بالنسبة إلى ممثلي «التيار» إن على مستوى أمانته العامة ومكتبه السياسي أو على مستوى نوابه ووزرائه». ومن المُرتقب أن ينكبّ «التيار» على هذا النقاش في أول إجتماع يعقده مكتبه السياسي.
ويرى هؤلاء أنّ «هذه التحسينات إذا ترافقت مع نجاح إقتصادي وسياسي للحريري قبل الانتخابات المقبلة فحينها تتحسّن نتائج «المستقبل». أمّا في حال الفشل الإقتصادي فلن تتطوّر النتائج على المستوى الشعبي مهما حسّن «التيار» من مظهره وخطابه، فمن المُرجح في هذه الحال أن يعتبر الناس مشروع الحريري وتياره السياسي غير قابل للحياة».
لكنّ الحريري «بشَّر» اللبنانيين بإجراءات وقرارات صعبة، أفلن يؤدّي ذلك إلى مزيد من التراجع على الصعيد الشعبي؟
تجيب مصادر «المستقبل»: «حتى لو اتّخذت الحكومة خيارات غير شعبية في المرحلة الحالية، ستظهر نتائجُها خلال سنتين، وإذا كانت إلى الأفضل فسيلمس الناس تغييراً جدياً ويقرّون بصحة هذه الخيارات، أمّا إذا استمر الوضع على ما هو عليه ولم تُتخذ إجراءات صعبة فنحن ذاهبون إلى الهاوية بسرعة كبيرة، وبالتالي النتائج ستكون سلبية».