فوز ديما جمالي في انتخابات طرابلس الفرعية كان متوقعا، فلم تكن المعركة يوما – ومنذ لحظة طعن المجلس الدستوري بنيابة جمالي ورد الحريري الفوري على هذا التحدي بإعادة ترشيحها – معركة المقعد النيابي الشاغر ولم يرق الشك لحظة الى تمكن تيار المستقبل من استعادة مقعده النيابي، لكن تدني نسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات الى هذا الحد غير المسبوق، هو الذي لم يكن متوقعا، وهو الذي شكل مفاجأة الانتخابات وحدثها السياسي. فهذه المعركة كانت في الواقع معركة استفتاء شعبي على حجم تيار المستقبل في طرابلس لاستعادة موقع الصدارة وتأكيد حيازته التأييد الواسع.
نجح الرئيس الحريري في استعادة المقعد النيابي وفي رد الاعتبار لديما جمالي التي كانت «مغمورة» وأصبحت «مشهورة»، وكانت الانتخابات بمثابة دعاية سياسية لها، بيد أن الرئيس الحريري لم ينجح في الهدف الثاني الأهم وهو استعادة الموقع الأول لتيار المستقبل في طرابلس والحجم الشعبي الذي كان عليه في فترة ما بين ٢٠٠٥ ـ ٢٠١٦ (تاريخ الانتخابات البلدية والانكشاف الأول). ولم تنفع كل الزيارات التي قام بها أركان المستقبل الى طرابلس، من الأمين العام أحمد الحريري الى النائب بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة الذي دخل المدينة من بوابة الرئيس ميقاتي، الى الرئيس سعد الحريري الذي دخلها من بوابة محمد الصفدي. لم ينفع كل هذا الحشد السياسي في تأمين حشد انتخابي وفي تحفيز المشاركة الشعبية التي ظلت دون المستوى، وفاقت في تراجعها كل التوقعات.
هذه النسبة المتدنية التي لم تتجاوز 12.5% حملت خبرا غير سار لتيار المستقبل ونغصت عليه فرحته بالفوز الانتخابي الذي جاء ضعيفا، وإن كان مبررا في نواح كثيرة. وفي الواقع تتوزع أسباب هذا التدني غير المسبوق في عدة اتجاهات:
٭ هناك أولا انتفاء طابع «المعركة السياسية» مع مقاطعة فريق ٨ آذار (فيصل كرامي وجمعية المشاريع)، وهذا وحده سبب كاف لسحب «العصب» السياسي من هذه المعركة وإطفاء الشعارات السياسية الكفيلة وحدها أو أكثر من غيرها في تعبئة الصفوف والنفوس. وهذا الفريق قرر المقاطعة بعد انسحاب ريفي من المعركة وتأييده لمرشح الحريري، وبالتالي انعدام فرصة الفوز لمرشحه «طه ناجي». ولذلك، فإن عدم ترشح ريفي كان خدمة أسداها للحريري، ويكفي أنه فعل ذلك. ولذلك أيضا، فإن مقاطعة فريق 8 آذار كان قرارا صائبا من الوجهة السياسية، لأن مشاركته كانت سترفع نسبة المشاركة الشعبية ويعطي المعركة طابعا آخر. فيما انسحابه من المعركة جعلها محسومة النتائج سلفا، وفي حكم المنتهية، ما جعل كثيرين غير متحمسين للاقتراع أو غير معنيين بالمعركة.
٭ هناك ثانيا غياب الحوافز المباشرة، وأولها ما يتعلق بغياب المال الانتخابي، حتى أنه لم يسجل دفع مبالغ للمفاتيح الانتخابية، وغياب المظاهر الانتخابية والأنشطة الشعبية والاجتماعية والخدماتية، إضافة الى عدم اقتناع الشارع الطرابلسي بـ«ديما جمالي» على أنها الخيار الوحيد والأنسب، وبوحدة الصف الطرابلسي التي تحققت حولها، تماما كما حصل في الانتخابات البلدية التي فاز فيها ريفي رغم كل الحشد السياسي المواجه الذي لم يترجم على الأرض لأنه لم يقنع الناس.
٭ هناك ثالثا الانكفاء الشعبي العائد الى تراجع الثقة الشعبية بقيادة المستقبل، بسبب تنامي الشعور بأن الوعود الانتخابية السابقة لم تنفذ، وبأن الرئيس الحريري لا يزور طرابلس ولا يستنفر جمهورها إلا بمناسبة الانتخابات. وفي الواقع، واجه الحريري الكثير من الأسئلة المحرجة أثناء زيارته الى طرابلس ومن نوع: لماذا لا نشاهدك في طرابلس إلا في المواسم الانتخابية؟! وماذا عن مصير موظفي «سعودي أوجيه»؟! وماذا عن حصة طرابلس من «سيدر»؟! ولماذا لم تنفذ المشاريع الإنمائية الخاصة بطرابلس، ولم يتم تفعيل معرض طرابلس الدولي والمنطقة الاقتصادية.
انتخابات طرابلس الفرعية كشفت استمرار الأزمة بين «المستقبل» وقواعده والشارع السني، وإن بدرجة أخف عما كان عليه الوضع سابقا. ولكن بالتأكيد هذه ليست فقط أزمة «المستقبل» مع شارعه، وإنما أزمة كل الأحزاب السياسية مع «شوارعها وجمهورها». ومن الأكيد أن المؤشرات والأجواء الشعبية واتجاهات الرأي العام اختلفت بين انتخابات العام الماضي وهذا العام، وأن أي انتخابات ستجري في طرابلس وغيرها ستحمل مفاجآت، أولها تدني نسبة المشاركة بشكل دراماتيكي، بموازاة تدني الثقة الشعبية بالطبقة السياسية الحاكمة برمتها.