IMLebanon

تحت طائلة انهيار الدولة… خفض الرواتب خيار وحيد!

في الجلسة التشريعية التي انعقدت على وقع موجة الإضراب والاعتصامات العمالية والنقابية رفضا للمساس برواتب موظفي القطاع العام والمعلمين والمتقاعدين، ضخ رئيس الحكومة سعد الحريري جرعة من الطمأنينة على امل ان تهدئ نسبيا روع رافعي الصوت من المواطنين الذين يخشون المسّ بلقمة عيشهم ومدّ الدولة يدها الى جيوبهم شبه الفارغة التي لا يكفي ما فيها اساسا لسداد كلفة الضرورات الحياتية، فتفرغ قبل منتصف الشهر.

فبعيد كلام وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عن خفض قد يطال الرواتب والاجور، أكد الحريري ان “كل ما يحكى عن تخفيضات هو كلام صحف”، لافتا الى ان “الحكومة تعمل ليلا ونهارا للوصول الى ارقام تحفظ مالية الدولة وأصحاب الدخل المحدود”. وشدد على “ان المزايدة لا ولن تفيد أحدا لأن البلد اذا سقط فسنقع كلنا معه. نحن مع المتقاعدين ومع الادارة لكننا نريد الحفاظ على الليرة وعلينا ان نكون صادقين معهم ان البلد قد يتدهور”، مشيرا الى ان “عمر الحكومة شهران وعليها وضع موازنة تقشفية لم يتم وضع مثيل لها في تاريخ لبنان”.

موقف الحريري، وفق قراءة اجرتها مصادر سياسية معنية بالملف لـ”المركزية”، شديد الواقعية، فالحال التي وصلت او تم ايصال البلاد اليها بفعل السياسات الرعناء التي اعتمدت على مدى عقود وما تخللها من صفقات وسمسرات ونهب للمال العام، وكل مرادفات الهدر والفساد جائزة هنا، وقد ذكّر الحريري في اعقاب الجلسة ان الاصلاحات التي حُددت في مؤتمر باريس -2 لو تم تنفيذها آنذاك لما بلغت الامور اليوم حدها، هذه الحال لم تعد تنفع معها سياسة الترقيع والمخدر الموضعي، لأن الاوضاع اذا لم تعالج بأقصى سرعة فإن البلاد ذاهبة من دون ادنى شك الى انهيار حتمي، وفق ما تؤكد المعطيات والارقام.

وتشرح المصادر ان المهلة القليلة المتاحة امام الحكومة لخفض العجز تحت طائلة سقوط الهيكل على رؤوس الجميع لا تسمح بترف اللجوء الى الخيارات التي من شأنها ان تؤمن وفرا ماليا للدولة، قد يكون مهما لكنه غير مضمون النتائج وغير سريع، وهو ما يخالف المطلوب، وسياسة عصر النفقات الممكن اللجوء اليها عبر اقنية اخرى كثيرة بعيدة من جيب المواطن كوقف الهدر وضبط التهريب وغيرها، قد توفر المطلوب، بيد انها لا تنقذ البلاد من “سيناريو اليونان” غير البعيد، كون الانهيار قد يسبق الوقت الذي تستلزمه لرفد الخزينة بالمال الضروري لسداد مستحقات مالية مترتبة على الدولة للخارج تناهز الـ8،1 مليار دولار.

وتكشف المصادر، في السياق، ان الحملة التي شُنت وتشن على المصرف المركزي وحاكمه وعلى القطاع المصرفي عموما ليست بعيدة من هذا الجو، اذ يسعى بعض القوى السياسية الى لعب ورقة تأليب الشارع برمي “فزاعة” المس بالرواتب للضغط على القطاع المالي بهدف تسديد مستحقات الدولة، باعتبار ان القطاع قادر على الاضطلاع بالمهمة نسبةً لحجم الارباح التي يحققها بفعل سياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الرشيدة. لكن المصادر تخشى والحال هذه من ان يكون هدف هذه القوى التي رمت كرة نار خفض الرواتب في الشارع ليس فقط تسديد مستحقات الدولة بل ضرب القطاع المالي الذي يشكل الى جانب العسكري العمود الفقري للدولة تمهيدا لوضع اليد عليه.

وإذ تتوقع ان يُعقد اجتماع مالي في “بيت الوسط” في الساعات المقبلة قبل سفر الحريري الى الخارج، على غرار ذاك الذي انعقد منذ يومين حيث تم وضع كل الخيارات المتاحة لرفد خزينة الدولة بالمال سريعا، اكدت المصادر ألّا شيء محسوما بعد في اتجاه خفض الرواتب، على رغم ان الامر، ومحورها الحفاظ على الاستقرار المالي. وتختم بالإشارة الى ان المسؤولين المعنيين اذا تمكنوا من اعتماد خيارات بديلة عن خفض الرواتب فإنهم لن يلجأوا الى القرار الصعب، لكن اذا تبين العكس فإن الخيار المر سيكون حتميا تحت طائلة الانهيار السريع.