توسّم جزء كبير من اللبنانيين ومعهم أركان المجتمع العربي والدولي، خيرا، عندما سمعوا خطاب قسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول 2016. وقد ارتاحوا الى الكثير مما ورد فيه، لكن استوقفهم في شكل خاص، تعهّده تطبيق وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) كاملة ومن دون استنسابية، وتأكيده اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس وابتعاده عن الصراعات الخارجية.
الا ان فرحة هؤلاء كبرت أكثر، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، عندما وعد الرئيس عون سفراء ودبلوماسيين أجانب زاروه في قصر بعبدا عشية الانتخابات النيابية، بأنه سيطلق حوارا وطنيا يناقش “الاستراتيجية الدفاعية” ومنها تنبثق الحكومة. فالاستراتيجية في رأي العرب والغرب، أولوية قصوى ضرورية لوضع حد لانتشار السلاح في أيدي أطراف لبنانية (أبرزها حزب الله) وغير لبنانية، خارجة عن سلطة القوى العسكرية الشرعية.
هذا الكلام الذي ورد على لسان الرئيس عون أكثر من مرة على مرّ السنوات الماضية، لم يجد حتى الساعة طريقه الى الترجمة العملية، علما ان “سيّد بعبدا” وعد باطلاق الحوار المنتظر بعد الانتخابات النيابية التي حصلت في ايار الماضي، قبل ان يعود ويضرب له موعدا جديدا بعد تشكيل الحكومة. لكن أكثر من 4 أشهر تقريبا مضت على إبصار الاخيرة النور بعد مخاض عسير، من دون ان تلوح في الافق أي مؤشرات الى قرب دعوة الرئيس عون الى “الطاولة” العتيدة.
هذا التعثر أثار تململا لدى المجتمع الدولي، وفق المصادر، وقد انزعج من إخلال بيروت بالتزاماتها السياسية، ليس فقط في ما يخصّ “الاستراتيجية”، بل أيضا في ما يتعلّق بسياسة “النأي بالنفس”، حيث ان تدخّل حزب الله عسكريا وسياسيا في ميادين عربية وغير عربية عديدة، استمرّ، فيما بدا للخارج ان “الضاحية” تحظى بغطاء “رسمي” لسياساتها هذه، عندما كبرت حصّة “الحزب” وتوسّعت في مجلس الوزراء الوليد.
وعليه، تحرّك سفراء الدول الكبرى مجددا على الساحة اللبنانية، مذكّرين لبنان بواجباته، خاصة وأن على أساسها، قرر المجتمع الدولي تقديم الدعم له في مؤتمري “سيدر” و”روما” العام الماضي. غير انهم، بحسب المصادر، لم يسمعوا أي موقف قد يثلج قلبهم في هذا الشأن. وقد راح هؤلاء يخشون ان تكون الدولة قررت الاستسلام للامر الواقع، والتعايش مع الشواذ المتمثّل بوجود دويلة الى جانبها، وبخروج قرار الحرب والسلم من يدها وتشاركها إياه مع فريق يتمتّع بفائض قوة عسكري بفضل دعمه، عسكريا وماليا، من جهات اقليمية.
وبحسب المصادر، فإن هذا الانطباع بدأ يتكوّن لدى مسؤولين غربيين كبار زاروا بيروت في الاسابيع القليلة الماضية، وتفاجأوا بازدواجية فاقعة في الخطاب الرسمي، اذ لاحظوا ان بعض الوزراء اللبنانيين يتحدّثون عن حزب الله وسلاحه والاستراتيجية، بلهجتين متناقضتين تختلفان عندما يكونان في الخارج او في بيروت.
انطلاقا من هنا، فإنهم نصحوا من قابلوهم من مسؤولين في لبنان، بضرورة وقف هذه الازدواجية المضرّة بمصالح الدولة وعلاقاتها مع المجتمع الدولي، والعودة الى الاساسيات والثوابت التي حددها الرئيس عون بنفسه. وهم شددوا على ضرورة وقف اللعب على الحبلين، الذي لا يمكن ان يستمر في ظل التحوّلات الكبرى المتسارعة في المنطقة ودخولها جدّيًا مرحلة التسويات السياسية، والمطلوب من لبنان مواكبتها بخطوتين ملحّتين: لملمة السلاح غير الشرعي، وضبط حدوده كلّها بإحكام. فهل يفعل؟