كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
يعرض على الهيئة العامة لمجلس النواب، اليوم، اقتراح قانون معجل مكرر مقدم من النائبة بولا يعقوبيان، يرمي الى فرض وتفعيل إلزامية فرز النفايات من المصدر وتعديل بعض مواد القانون الرقم 80 الصادر بتاريخ 10/10/2018 (ولا سيما المادتان 20 و21 منه).
أن يصبح فرز النفايات من المصدر قانوناً ملزماً، أمر لا بد منه إذا أردنا إدارة سليمة للنفايات. لكن إقرار الفرز من دون إدارة متكاملة قد يعرّضنا لنكسة، ويجعل من مطلب تاريخي كهذا فرصة ضائعة، مرة جديدة.
تعددت الاقتراحات حول الفرز، إلا أن المطلوب استراتيجية تجيب عن الأسئلة الضرورية لإنجاح أي معالجة. فنجاح عمليات الفرز وتكديس المواد المفروزة من دون أن تكون هناك قدرة للمعامل على إعادة تصنيعها مشكلة. فضلاً عن أن معامل الفرز وإعادة التصنيع هي مشكلة أيضاً، لأنها في جانب منها مُسبّبة للتلوث وتستهلك الكثير من المياه والطاقة. لذلك، لا نفع للقوانين والإجراءات الأحادية التوجه، لا بل إنها قد تعيق الحلول المتكاملة والمستدامة. فمبدأ الفرز من المصدر يجب أن يأتي بعد مبدأ التخفيف أو التجنّب. أي يفترض أن يسبقه درس مكوّنات النفايات، وتصنيفها بين المتحلّل وغير القابل للتحلّل وما هو قابل لإعادة الاستخدام أو التصنيع، مع فرض ضرائب على تلك غير القابلة للتحلّل أو لإعادة التدوير. بكلام آخر، إذا كانت هناك إمكانية للاستغناء عن النفايات غير القابلة لإعادة التصنيع، فإن ذلك أولى من فرزها.
كما يفترض أن يحسم الجدل حول «ملكية» النفايات ذات القيمة: هل هي ملك صانعها فتُردّ له؟ أم ملك من تملّكها كسلعة قبل أن تنتهي صلاحيتها؟ أم ملك من يجمعها أو من يعيد تصنيعها؟ أم هي ملك السوق ومن يجد فيها قيمة ما؟
السائد حالياً أنها ملك السوق، أي من يجد فيها قيمة ما كمادة لإعادة التصنيع من «جامعين» وجمعيات وتجار وصناعيين… لكن مع ترك الموضوع للسوق، لن تستوي المعالجة المتكاملة. إذ إن «أبناء السوق» يسحبون القيّم من النفايات، ويتركون غير القيّم، أو المكلف، للبلدية أو الشركة الملتزمة… أو ألسنة النيران! من هنا ضرورة أن تدمج مادة الفرز في القانون مع المادة المتعلقة بمصادر تمويل الإدارة المتكاملة. وهذه مسألة لم يتم بتّها في الاستراتيجية بعد.
تنص المادة 21 من القانون (المتعلقة بالفرز) المقترح تعديلها على وجوب فرز النفايات الصلبة في المصدر… «وذلك بما يتوافق مع الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة والبرنامج المحلي المعتمد، ومع المعايير والشروط البيئية التي تحددها وزارة البيئة بموجب قرار يصدر عن وزير البيئة». فأين الاستراتيجية التي يفترض أن يتوافق معها هذا القانون؟
القانون المبتور منح وزارة البيئة مهلة 6 أشهر (بدل 12 شهراً) لوضع هذه الاستراتيجية، وهي انتهت من دون تعرض للنقاش بعد أي مسودة أو خريطة طريق.
مصادر وزارة البيئة تؤكد أن هناك ورشة كبيرة في الوزارة تعمل على الأمر، وأن على مجلس النواب أن ينتظر اقتراحات استراتيجية متكاملة لتعديل القانون، وهو توجه سليم إذا ما أوصلنا الى استراتيجية متكاملة تحدد المبادئ والأولويات والاتجاهات والمسؤوليات.
وحسناً يفعل وزير البيئة فادي جريصاتي إذا صحّ ما تسرّب عن عدم اقتناعه بخيار الحرق الكلي للنفايات وطلبه المزيد من الوقت لإنجاز تصور شامل، بعدما تم استعجاله في اجتماع اللجنة الوزارية التي عقدت برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الأسبوع الماضي لعرض رؤيته، لأن خطة المحارق وتمويلها من «سيدر» ينتظران!