توقفت الأوساط السياسية في بيروت عند تحركات في الشارع قام بها العسكريون المتعاقدون. وأغلق هؤلاء مداخل عدّة لبيروت مؤكدين رفضهم لدعوة وزير الخارجية جبران باسيل إلى خفض رواتب موظفي الدولة، بما في ذلك رواتب المتقاعدين.
وارتدى تحرّك العسكريين المتقاعدين طابع إنذار موجّه إلى الحكومة بكاملها في ظل مخاوف من انفجار شعبي بسبب الأزمة الاقتصادية التي لا سابق لها التي يمرّ فيها لبنان.
وتساءلت الأوساط السياسية اللبنانية هل أن مهمة وزير الخارجية تحديد السياسة المالية والاقتصادية للحكومة أم أن هذه مهمة مجلس الوزراء مجتمعا؟
وقالت إن لبنان لا يعيش أزمة اقتصادية فحسب، بل يعاني من أزمة حكم يعبّر عنها الوزير جبران باسيل الذي بات يعتبر نفسه مرجعية السلطات كلّها في لبنان، بما في ذلك سلطات رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء كلّه.
واعتبرت هذه الأوساط أن التصرّفات الأخيرة لوزير الخارجية، ورئيس “التيّار الوطني الحر” تثير مخاوف من غياب فريق عمل حكومي يستطيع الإقدام على الإصلاحات المطلوبة من دون إثارة ردّة فعل في الشارع تؤدي إلى اضطرابات تزيد الوضع اللبناني الداخلي تعقيدا.
سعد الحريري: الأكيد أننا في وقت صعب
ويستفيد باسيل إلى حدّ كبير من رغبة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في تفادي أي صدام مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه شخصيا حفاظا على الاستقرار الداخلي.
وفسّرت مصادر سياسية لبنانية موقف الحريري بانشغال رئيس الوزراء بمعالجة قضايا كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي في ضوء إصرار الإدارة الأميركية على إجبار لبنان على التقيّد بمطالب محددة للإدارة، خصوصا في ما يخصّ طريقة عمل مصارفه والتحويلات المالية من لبنان وإليه.
وأشارت في هذا المجال إلى أن القيود الأميركية فرضت على لبنان إغلاق معابر حدودية عدّة كانت تستخدم في تهريب الوقود إلى سوريا، بما يحرم لبنان من عائدات مالية كبيرة.
وقالت “صحيح أن هذه العائدات غير شرعية لكنها تحرم عائلات لبنانية كثيرة من مصدر رزق في حاجة إليه في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلد”.
فيما رأى مراقبون أن باسيل يعبّر عن جو عام كان قد أثاره رئيس الجمهورية حول الوضع الاقتصادي الحرج وعن ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لإنقاذ البلد من الإفلاس.
وأضاف المراقبون أن تحذيرات باسيل تأتي أيضا بعد أن أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري عن أن الحكومة ستتخذ إجراءات قد تكون قاسية على اللبنانيين بهدف الخروج من عنق الزجاجة.
ولفتوا إلى أن ضغوطا دولية تمارسها باريس بحكم رعايتها لمؤتمر “سيدر” الدولي، وأن السفير الفرنسي في بيروت، برونو فوشيه، نقل في الآونة الأخيرة تحذيرات دولية تطالب الحكومة اللبنانية بتحقيق إنجازات واضحة لخفض العجز في الميزانية ومكافحة الهدر والفساد.
وحذرت تقارير نشرت مؤخرا من خطر إفلاس قد يتعرض له لبنان على منوال ما حصل في اليونان. وتواكبت هذه التقارير مع الحملة التي يتعرض لها مصرف لبنان والنظام المصرفي اللبناني في معرض تحميلها جانبا من مسؤولية الهدر الحاصل منذ سنوات.
ولم يستبعد مراقبون إمكانية أن تكون تحذيرات باسيل مقدمة لإقناع الرأي العام كما الطبقة السياسية اللبنانية، لاسيما الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، بتلبية ما يريده المجتمع الدولي، خصوصا في موضوع النزاع حول الحدود البحرية مع إسرائيل، من أجل دخول لبنان في سوق إنتاج الغاز الواعد في المنطقة.
وعبر الحريري خلال مناقشة برلمانية حول مشروع الموازنة العامة، الأربعاء، عن دعمه المتقاعدين الذين يتقاضون معاشات من الحكومة لكنه يريد أيضا حماية الليرة.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن الحريري قوله “نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة، ولكننا نريد الحفاظ على الليرة، وعلينا أن نكون صادقين معهم أن البلد قد يتدهور”.
وذكر الحريري أنه بينما وعدت الحكومة، التي تشكلت في نهاية يناير، بإصدار موازنة لعام 2019 خلال شهر أو شهرين، إلا أنها تحاول “عدم المس بأحد”.
وأبلغ الحريري البرلمان قائلا “الأكيد أننا في وقت صعب”.