كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
«أصبح نومه متقطّعاً، لا بل هو طفل قلق الآن، ولا أعلم ما الذي يجعل ابن 8 سنوات يصحو في منتصف الليل، مسمّرَ العينين، كأنّه يفكر بهموم ثقيلة، يرفض أن نطفئ الضوء في الغرفة، ويقلقه كثيراً خروجنا والده وأنا للسهر، فيطلب أن تبقى أختي رولا معه في المنزل». هكذا تشرح الأم الحالة التي يعيشها ولدها ماريو، وهي في حيرة من أمرها.
غالباً ما يبلّغنا الأطفال رسائل غير مباشرة عن حالاتهم النفسية، عن مستوى قلقهم وحزنهم وفرحهم، وذلك عبر تصرّفات وإشارات ومدلولات غير مقصودة، علينا أن نحلّلها ونفهمها ونقدم لهم المساعدة والدعم. من أهم حاجات الطفل، الشعور بالأمان والإستقرار والحب، وبالتالي فأيّ اضطراب يطرأ على هذه المستويات قد يؤدّي إلى اختلاف في السلوك لديه، وتعبير يظهر في النظرات والقدرة على المواجهة، في الهدوء والتوتر، في انخفاض أو زيادة كمية الطعام، في العلاقة مع الغير وتقبّل وحبّ الذات…
وقد علمنا من خلال التحدّث مع ماريو بأنّهم منذ أن أخبروه بدخول «حرامي» إلى بيت التيتا وهي نائمة ليلاً، لم يعد باستطاعته النوم، وأصبح قلقاً من أن يحدث له الأمر نفسه. أمّا الغريب بالأمر، فعدم قدرة الوالدة على كشف ذلك، لمساعدة طفلها القلق والخائف.
أما بيرتا، إبنة الـ10 سنوات، فتوقّفت عن الطعام فجأة، ولاحظت شقيقتها الكبرى أنّها تتناول كمّيات كبيرة من الطعام ليلاً، عندما يكون الجميع نياماً. أمّا السبب في ذلك فكان تعرّضها للتنمّر من قبل الأب الذي يلقّبها بالدبة نظراً لزيادة وزنها. إنّ التنمّر قد يأتي من أية ناحية، أمّا من الأهل، فذلك قد يكون مؤذياً ومؤلماً جدّاً.
ومثلنا الثالث لليوم هو رانيا، ذات الـ12 سنة، التي تحوّلت من فتاة منغلقة وخجولة جدّاً، إلى مراهقة قد وصلت جرأتها إلى حدّ الوقاحة، فها هي تطلب من إبن الجيران الذي يكبرها بخمس سنوات أموراً كثيرة، كأن يشتري لها المثلجات، أن يرافقها ليلاً، أن يساعدها في دروسها وحتى ترتيب أغراضها؛ والمفاجأة كانت بأنّها تقوم معه بأمور جنسية منذ فترة، بينما كان الجميع يلاحظ بأنّ ثمّة غرابة طرأت على تصرفات الصبية.
أما بالنسبة لسامر (10 سنوات)، فهو منذ بداية هذه السنة الدراسية ليس على ما يرام، نتائجُه في اللغة العربية غير مرضية أبداً، وهو كلما بدأت والدته بمساعدته بالمواد العربية تحديداً، تراه يرتجف ويرتبك، ويفقد القدرة على التركيز والفهم. وبعد جهد جهيد، اعترف الطفل بأنّ معلمة اللغة العربية تصرخ بوجهه بانفعال شديد، ما يخيفه، «أنا أكره اللغة العربية، ولا أريد أن أدرسها عندما أكبر»، قال ذلك، غير مدرك أنّ المشكلة ليست في اللغة، بل في الأشخاص غير المؤهّلين الذين يؤثرون سلباً على مستقبل الأجيال.
أمّا فارس، فبعد أن ضربه والدُه على يده، محاوِلاً منعه من الإقتراب من المدفأة حفاظاً على سلامته، (6 سنوات) أصبح ولداً صامتاً، يمضي معظم وقته في غرفته، لا يُصدر أيّ ضجيج، لا بل يعيش بشبه عزلة منذ ذاك اليوم؛ وإن حاولنا الإقتراب منه، يرفرف عيونه بشكل دائم، يرتجف ويرتبك ويبدأ بالبكاء. بينما تحوّلت أسمى (8 سنوات)، بسبب ضرب والدتها لها، إلى فتاة عنيفة تضرب رفاقها في المدرسة افتراءً، وفي البيت، تصرخ على لعبتها وتضرب رأسها في الأرض، كأنّها تقلّد العنف الذي تتعرّض له مع الآخرين. نلاحظ من خلال المثلين الأخيرين أنّ طريقة تفاعل الأشخاص مع الأمور تختلف، بحسب التجربة السابقة والمرحلة التي يمرّون بها، بالإضافة إلى الحاجات والميول الشخصية، فالعنف دفع بفارس إلى الإنعزال والخوف الشديد، بينما دفع بأسمى إلى تعنيف الآخرين، وتقليد سلوك الشخص المعنِّف.
نتفاعل جميعاً مع الأشخاص والأمور المحيطة بنا، ونتأثّر سلباً وإيجاباً بالتجارب والممارسات والسلوكيات، خصوصاً بما له علاقة بانفعالاتنا وميولنا وحاجاتنا وعواطفنا. وكآباء وأمهات، نحن في موقع مسؤولية تجاه أطفالنا، لا سيما وأنّهم يجدون دائماً طريقة معيّنة يعبّرون لنا فيها عن مخاوفهم وقلقهم وتوترهم. لنراقب جيّداً الرسائل التي تصدر عن الأطفال والمراهقين، خصوصاً عندما نلاحظ تغييراً في السلوك والتعاطي من قبلهم.