IMLebanon

لبنان «يلْتقط أنفاسه» بعد «توازن الرعب»

تشكّل عطلة عيد الفصح لدى المسيحيين الذين يتبعون التقويم الغربي فسحةً لـ«التقاطِ الأنفاس» في لبنان بعد أسبوعٍ شهد إرساء ما يشبه «توازن الرعب» بين تحذيرِ كبارِ المسؤولين من أن البلاد تقف على شفيرِ كارثة مالية – اقتصادية وبين تلويح الشارع بـ«ثورةٍ» بعدما نزِل العاملون في القطاع العام والمتقاعدون من العسكريين بـ«ستراتِ النقمة» في إضراباتِ واعتصاماتِ في محاولةٍ لرسْم «خط دفاع» عن رواتبهم بوجه التسريبات عن إمكان خفْضها والمس بتقديماتٍ اجتماعية من ضمن مسارِ خفْض العجز في موازنة 2019.

وبدا أن الجولةَ الأولى من معركةِ استيلادِ الموازنة والتي تستدعي اللجوء إلى «أسلحة احتياط» تقشفية غير مسبوقة لوقْف الانزلاق نحو الهاوية وبدء ضخّ أموال مؤتمر «سيدر 1» التي باتت بمثابة «أوكسجين إنقاذي»، ظهّرتْ الحاجةَ الى الإسراع في تبديد الغموض الذي يحوط بسيناريوات الحلول المقترحة لخفْض العجز، وذلك في ضوء أمريْن:
أوّلهما أن الإرباك الرسمي بالتعاطي مع التسريبات حول خفض الرواتب وتهيُّب غالبية الأطراف إعلان «أبوّة» مثل هذا الطرح ناهيك عن الكلام بمكبرات الصوت عن النموذج اليوناني وخطر الانهيار ساهما في ارتباكٍ بالسوق المالية لا مصلحة في تفاقُمه وتحوّله مصدر استنزاف لما تبقى من صمامات أمان في الواقع المالي.
والثاني أن استمرار الالتباس حيال سلّة الخيارات المطروحة لقفل مزاريب الهدر والحدّ من العجز يترك مجالات واسعة للشارع ليملأ فراغَ عدمِ الوضوح في هذا المجال، وسط خشيةٍ من تحوُّل التحركات الاحتجاجية التي تغذّيها تسريباتٌ واشاعاتٌ فتيلاً قابلاً للاشتعال ويمكن أن يضع البلاد أمام منزلقاتٍ خطيرة وجرِّه إلى فوضى تمسّ باستقراره الذي «نجا بأعجوبة» حتى الآن من تداعيات الحرائق الاقليمية.
ومن هنا برزت في الساعات الماضية دعواتٌ الى إدراج مشروع قانون الموازنة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المرجّحة الخميس المقبل، بهدف نقْل النقاش حوله من دائرة التسريبات إلى البحث في خياراتٍ محدّدة من ضمن سلّة متكاملةٍ، تتحمّل القوى السياسية مجتمعةً مسؤولية البتّ بها سلباً أو ايجاباً بدل ترْك الباب مفتوحاً أمام رمي أفكارٍ يجري تداوُلها في كواليس الإعداد للصيغة النهائية للموازنة وإدخالها لعبة مزايداتٍ بين مكوّنات الحكومة بما قد يؤثّر حتى على تَضامُنها.
وفيما كان رئيس الحكومة سعد الحريري أبدى مراراً الحرص على حصول توافق سياسي جامع مسبق على «الإجراءات المؤلمة» تفادياً لعملية مزايدةٍ يمكن استخدامها لوضْعه في «بوز المدفع»، فإن أوساطاً سياسية ترى أن بالإمكان نقل النقاش حول الموازنة الى طاولة مجلس الوزراء استناداً الى مشروعٍ يُبْقي الخيارات الصعبة من ضمن «عمليات محاكاة» لمختلف السيناريوات الممكنة، لافتة في الوقت نفسه إلى أن بوادر سقوط فكرة خفْض رواتب مجمل العاملين في القطاع العام بنسبة 15 في المئة في ضوء «غضبة» الشارع و«بروفة الانتفاضة» التي حصلت الثلاثاء والاربعاء يمكن أن تسهّل أيضاً طرْح الموازنة داخل الحكومة على أن يبقى النقاش حول الرواتب العليا ومخصصاتها وبعض الامتيازات والتقديمات المُكْلِفة، من ضمن «بازل» متكامل ينطوي أيضاً على مناقشة تكلفة خدمة الدين وإمكان مساهمة المصارف في خفضها عبر اكتتابات بفوائد مخفضة جداً.
وكان لافتاً أمس كلام الرئيس ميشال عون الذي اعتبر خلال استقباله رئيس لجنة المال البرلمانية النائب ابرهيم كنعان «ان كل الأفكار التي يتم تداولها هي مجرد افكار لا تلزم احداً، والواجب يقتضي ان يتم طرح مشروع موازنة واضح المعالم ومتضمّناً للاصلاحات المرجوة، على طاولة مجلس الوزراء، فيصار الى نقاشها ضمن المؤسسات الدستورية سواء في الحكومة او في مجلس النواب. وعندها يبدي كل طرف رأيه بكل شفافية بها، فيتم اتخاذ القرارات لمصلحة لبنان وماليته العامة، من خلال مكافحة الهدر وضبط العجز عبر خطة عامّة تعبّر عنها هذه الموازنة»، معتبراً أنه «بغياب هذا المشروع وهذا النقاش داخل المؤسسات الدستورية، فإننا مازلنا بعيدين عن المطلوب».
وفي السياق، قال وزير المالية علي حسن خليل، لـ«رويترز»، أمس، «سيتم إصدار جديد بدأ التحضير له مع المصارف العالمية والمحلية في 20 مايو المقبل وهو إصدار قيمته بين مليارين ونصف مليار إلى ثلاثة مليارات دولار».
وأضاف: «هو إصدار عادي وفق المخطط ووفق استراتيجية الدين العام المحددة بيننا وبين المصرف المركزي وانطلاقا من الحاجات الفعلية للدولة».