كتب علي حيدر في “الاخبار”:
لا تزال مفاعيل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبيروت تحت المجهر الإسرائيلي، على أمل أن يترتب عليها نتائج تطمح إليها تل أبيب في أكثر من عنوان وقضية. ويوماً بعد آخر، تؤكد المواقف والتقارير الإسرائيلية أن الضيف الأميركي أتى بمهمة إسرائيلية على مستوى المصالح والأهداف. ومع أن إسرائيل اعتادت أن تكون الوكيل الدائم الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها، عندما تستعصي المسارات الأخرى، إلا أنه هذه المرة كانت الأدوار مقلوبة ــــ بوجه من الوجوه ــــ إذ أتى الوزير الأميركي ليؤدي مهمة إسرائيلية بامتياز، بفعل قلق تل أبيب من تداعيات أي مبادرة عملانية تستهدف ثروات لبنان، وإدراكاً منها أن معادلات الردع لا تسمح لها بتكرار اللعبة التي تؤديها داخل فلسطين تحت عنوان فرض الوقائع التي يأتي الأميركيون لشرعنتها.
أوحى العنوان الذي تصدرت به صحيفة «إسرائيل هايوم» («إسرايل اليوم») مقالتها عن أزمة الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، «لبنان في مواجهة إسرائيل في البر والبحر»، بأن تل أبيب تلمس فشل مهمة بومبيو في إخضاع لبنان تلبيةً للمطالب الإسرائيلية. وأوحى التقدير الذي تصدرت به المقالة («الأزمات مع لبنان تلوح في الأفق») إدراك العدو أن لبنان لن يتراجع عن حقوقه في مقابل الإصرار الإسرائيلي على نهب ثرواته. أضافت إنه «بالنسبة إلى لبنان توجد أزمتان كبيرتان، تنتظران الحل من جانب إسرائيل ــــ النزاع بالنسبة إلى الحدود البرية والنزاع بالنسبة إلى الحدود البحرية».
وكما هي كل الطروحات الأميركية في كل قضية يكون أحد أطرافها تل أبيب، يأتي المطلب الإسرائيلي على صيغة اقتراح أميركي لما يفترض أنه حل لنزاع بين طرفين. إلا أنه في الواقع لا يكون إلا محاولة تحقيق المصلحة الإسرائيلية بقالب تسووي. وهو ما أوضحته الصحيفة الإسرائيلية بشكل مباشر عبر تأكيد أن أساس اقتراح بومبيو يقوم على «الفصل بين النزاعين، الأمر الذي سيسهّل حلّهما». وفي محاولة تسويقية فاشلة، قدمت «إسرائيل هايوم» لاقتراح وزير الخارجية الأميركي عبر القول إنه «اقترح الحل في المدى الفوري لمشكلة خط الحدود بما يرضي لبنان وبرعاية الأمم المتحدة، بينما الأزمة البحرية ستعالج على نحو منفصل من خلال تحكيم متفق عليه. والى أن ينهي التحكيم عمله، تنتج شركات الغاز الدولية الغاز من البحر وتوزع مداخيلها بين إسرائيل ولبنان. وبعد التحكيم، تعمل الدولتان وفقا لقرار المحكَّم».
ودخلت الصحيفة أيضاً على خط التباينات الداخلية اللبنانية، وهو ما يكشف عن أحد مكامن رهانات تل أبيب ومعها واشنطن، مدعية أن «الاقتراح الأميركي أحدث توتراً بين رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، الذي يؤيد الفصل بين الموضوعين، وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، المدعوم من حزب الله». وتناولت ما قالت إنه مبررات الطرفين، فنقلت بأن الحريري يرى بأن «الاقتصاد اللبناني يعيش في مصاعب، والمداخيل من الغاز كفيلة بتحسين الوضع».
الفصل بين الحدود البرية والبحرية يسمح بتصدير الغاز القطري إلى أوروبا عبر إسرائيل!
وهو عرض أقرب ما يكون الى منبع الرهان الإسرائيلي والأميركي لتراجع لبنان عن ثوابته وحقوقه.
في المقابل، زعمت الصحيفة الإسرائيلية عن لسان الرئيس بري مبررات هي أقرب الى أن تكون الصيغة التي تسعى تل ابيب الى ترويجها، بهدف التشكيك بخلفيات تشدده بحقوق لبنان، معتبرة أن «بري وحزب الله يريان أنه في حال موافقة إسرائيل على حل الأزمة البرية كما يطلب لبنان، فإن ذلك سيسحب من تحت أقدام حزب الله الادعاء بأن إسرائيل تحتل أرضاً لبنانية، وبالتالي لن تكون حاجة إلى مخزون السلاح الذي يحوزه!»، وهو ما يتعارض مع حقيقة أن ضرورة سلاح حزب الله تنبع من حاجة لبنان الى قدرات المقاومة في مواجهة التهديد الذي تشكله إسرائيل على وجود لبنان وأمنه وثرواته، ومن احتلالها أيضاً لأراضٍ لبنانية، قبل اكتشاف الثروات النفطية والغازية وخلالها وبعدها. ومع ذلك، تابعت الصحيفة بالقول إن المعارضين للموقف الأميركي يرون بأن «هذه الخطوة ستفتح ثغرة لبحث لبناني داخلي عن الحاجة الى نزع سلاح حزب الله»، في محاولة للتشويش على مواقف الرئيس بري.
في السياق نفسه، كشفت الصحيفة أيضاً خلفيات أميركية لحل مسألة الحدود البرية والبحرية، انطلاقاً من أن «الفصل بين المسألتين سيسمح بأن يمر الغاز القطري عبر إسرائيل وقبرص الى أوروبا، من دون أن يكون عرضة للتهديد العسكري من جانب حزب الله». ورفعت أبعاد الطرح الأميركي الى مستوى دولي من زاوية أنه من خلال هذا الحل تكون الولايات المتحدة قد «أضرّت بروسيا، المورّدة الكبرى للغاز الى أوروبا». أما إصرار إسرائيل على مواقفها، فاعتبرته الصحيفة نوعاً من المعالجة لهذه القضايا «باعتدال!». وتابعت إن «من الممكن التقدير بأن هذه المواضيع طرحت في مباحثات بومبيو في إسرائيل بهدف امتصاص التوتر، ولأن استخراج الغاز وفق الاقتراح الأميركي أهم من تعديلات طفيفة للحدود».