منذ القمة العربية الاقتصادية التي انعقدت في بيروت في يناير الماضي، تراقب أوساط ديبلوماسية حراك وزارة الخارجية اللبنانية، وتبدي بعض الاستغراب من المنحى الذي تسلكه هذه الوزارة، بحيث تبدو منحازة الى أطراف اقليمية، ولا تراعي الجو العام العربي والدولي الذي يحرص على بقاء لبنان بمنأى عن الصراعات الإقليمية والدولية.
وهذا بالتحديد ما طلبه بيان مجلس الأمن الدولي بالإجماع من لبنان في 9 فبراير 2019، داعيا الى ضرورة الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الأحداث في المنطقة، وعن الأحداث في سورية على وجه التحديد.
وتسجل الأوساط الديبلوماسية مجموعة من الملاحظات التي تخرق سياسة النأي بالنفس، وهي بطبيعة الحال تضر بمصلحة لبنان، ولا تفيد اقتصاده، ومن هذه الملاحظات:
اولا: الخطاب الذي تعتمده الخارجية اللبنانية فيما يتعلق بمقعد سورية في الجامعة العربية، بحيث تعتبر الدول العربية الفاعلة، أن الكلام الرسمي اللبناني فيه بعض الاستفزاز، ويشكل ضغطا على هذه الدول من جهة يفترض ألا يكون لها هذا الدور، خصوصا بعد أن تم تكرار هذه المواقف في قمة بيروت الاقتصادية، وفي قمة تونس العربية في 31 مارس الماضي، وفي لقاء التعاون العربي ـ الروسي في موسكو في 16/4/2019.
علما أن أحد أهم الأسباب للتراجع العربي عن الموافقة على عودة سورية الى الجامعة العربية، كان تدخلها في الشؤون اللبنانية على نحو فاضح في الآونة الأخيرة.
ووقف هذا التدخل من الشروط التي تضعها الدول العربية الفاعلة أمام سورية لعودتها الى الجامعة، إضافة بطبيعة الحال الى الشروط السياسية الأخرى التي تتعلق بالشروع في تنفيذ خطوات الحل السياسي للأزمة.
ثانيا: ان الحراك الذي تقوم به الخارجية اللبنانية على المستوى الاقليمي والدولي فيما يتعلق بعودة النازحين السوريين الذين يشكلون عبئا مخيفا على لبنان، يتعارض مع التوجهات الدولية والعربية، وبدا هذا الحراك في بعض محطاته، كأنه عرض خدمات سياسية تصب في مصلحة النظام، أكثر مما يؤدي بالفعل الى عودة هؤلاء الى وطنهم الأم، ذلك أن إغفال العامل الأمني من حسابات العودة، لا يخدم الإسراع في تحقيق هذه العودة، بحيث أن أغلبية النازحين في لبنان يخافون من الاقتصاص السياسي منهم، فيما لو عادوا من دون أي ضمانات دولية أو عربية، بينما المحسوبون على النظام يجولون في مواكب سيارة في شوارع بيروت، من دون أن تتحدث الخارجية اللبنانية بكلمة واحدة عن ضرورة عودة هؤلاء والذين لا تعترضهم أي عوائق أمنية.
وترى الأوساط الديبلوماسية ذاتها: هناك شبه قطيعة، او خلل في التنسيق على أقل تقدير بين الدول المانحة التي تساعد النازحين ووزارة الخارجية، على خلفية الاختلاف حول توجيه المساعدات للنازحين، بحيث ترى الخارجية، أن هذه المساعدات يجب أن تتوقف لحين عودة هؤلاء الى سورية، بينما ترى هذه الدول أن توقيف المساعدات عن هؤلاء الى حين عودتهم، قد تؤدي الى اضطرابات أمنية، ومآس إنسانية، وغالبا لن يعود الى سورية الذين يخشون من الخطر الأمني على حياتهم، مهما اشتدت الضغوطات عليهم.
ومن جهة ثانية، لا يوجد أي تعاط جدي من قبل الخارجية مع ألأمم المتحدة للاتفاق على خطة مشتركة تؤمن هذه العودة، بحجة أن الحلول الأممية لم تجد نفعا في السابق مع النازحين الفلسطينيين.
علما أن توفير أماكن آمنة لهؤلاء في سورية قد يدفع معظمهم للعودة الفورية، وينزع عنهم حجة الخوف.
ترى الأوساط الديبلوماسية، أن لبنان يحتاج اليوم الى سياسة خارجية متوازنة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية المالية التي يتخبط فيها.