قفز مجلس النواب بعيدا فوق الملاحظات القواتية، والتحفظات الاشتراكية والاعتراض الكتائبي لينجح في تمرير خطة الكهرباء التي أعدتها وزيرة الطاقة ندى بستاني، بوصفها خطوة ضرورية لمداواة هذا الداء المزمن الذي لا يزال لبنان يعاني تداعياته بعد أكثر من ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية.
وإذا كان عرابو الخطة وممثلو الكتل المشاركة في الحكومة سارعوا إلى الاعتداد بهذا الإنجاز الذي طال انتظاره، فإن إقدام المجلس على وضع الخطة على سكة التنفيذ يكتسب أهميته من تزامنه مع تأكيد سفير فرنسا في بيروت برونو فوشيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور لبنان في النصف الثاني من العام الجاري، وذلك في حوار أجراه مع الإعلاميين عبر “تويتر”.
ولا يخفى على أحد أن لبنان انتظر طويلا الضيف الفرنسي بعد مرور أكثر من عام على انعقاد مؤتمر سيدر المخصص لمد لبنان بجرعة دعم اقتصادية تبدو البلاد في أمسّ الحاجة إليها وهي التي باتت فعلا تتراقص على حافة الهاوية، علما أن الدول المانحة لم تتوان، هذه المرة، عن فرض شروط إصلاحية ضرورية لينال لبنان المساعدات التي وعده بها المجتمع الدولي بدفع من الرئيس ماكرون شخصيا.
تبعا لهذه الصورة، تعتبر مصادر مراقبة عبر “المركزية” أن على “رغم الكباش الذي غلّف الكلام عن الإجراءات التقشفية التي من المفترض أن تلحظها الموازنة الجديدة لتفادي سيناريو الانهيار الذي يلوّح به البعض، فإن فرنسا قد تكون تلقفت الإشارة الإصلاحية التي رمت السلطات اللبنانية إلى إرسالها إلى المجتمع الدولي. علما أن السلطات نفسها تجاوزت بعض المطالب الدولية لصالح السرعة في إقرار الخطة.
وتذكّر المصادر بأن “لبنان كان أعطى المبعوث الفرنسي الرئاسي المكلف متابعة تنفيذ سيدر السفير بيار دوكان الذي زاره في شباط الماضي انطباعا شديد السلبية، إزاء البطء في إطلاق العنان للمسار الإصلاحي، في ضوء المماطلة غير المبررة في تأليف الحكومة، التي ولدت بعد 9 شهور من إجراء الانتخابات النيابية وهو ما قد يكون دفع دوائر الاليزيه إلى اتخاذ قرار تأجيل زيارة ماكرون إلى بيروت، على اعتبار أن أي رحلة رئاسية من هذا النوع لا يمكن إلا أن تأتي بعد تقدم ملموس في الإصلاحات الدولية المطلوبة من لبنان.
غير أن المصادر نفسها تذكر بأن “البطء اللبناني المطبوع بالمماحكات السياسية ليس العامل الوحيد الذي يقف وراء تأجيل زيارة ماكرون، مشيرة إلى أن “الأجندة الرئاسية الفرنسية كانت حافلة في الفترة الماضية بالملفات الداخلية والدولية المهمة، ليس أقلها التحركات الاحتجاجية التي ينفذها عناصر “السترات الصفر”، من باب الامتعاض من سياسات ماكرون الاقتصادية. وقد ألحقت هذه التظاهرات أضرارا جسيمة بالعاصمة الفرنسية وأشهر شوارعها، ما يبرر انشغال الرئيس الفرنسي بها، إضافة إلى التعثر البريطاني المستمر في الاتفاق على الصيغة المثلى للخروج من الاتحاد الأوروبي والسياسات والخيارات الخارجية الأميركية، خصوصا في ما يخص التعامل الأميركي مع طهران في ضوء قرار الرئيس دونالد ترامب بالتعامل بكثير من الصرامة مع الجمهورية الإسلامية وحلفائها الإقليميين والدوليين.
إلى هذا المشهد، تضيف المصادر جدول أعمال ضاغطا لماكرون في أفريقيا وهو مرتبط ببعض الملفات ذات الطابع الإقليمي.
إلا أن المصادر تشدد على أن “دوائر القرار الفرنسية تتفهم جيدا ما يمكن تسميتها “خصوصية لبنان” وضرورة حل المشكلات اللبنانية من هذا المنظار”، كاشفة أن “وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان سيزور لبنان قبل ماكرون، على أن تتناول محادثاته الخطوات الاصلاحية المطلوبة في إطار مسار سيدر، ويضع تقريرا يحدد على أساسه موعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان”.