كتب رلى إبراهيم في “الاخبار”:
مرّ شهران ونصف شهر على تحقيقات التفتيش المركزي ودائرة الرقابة العامة في مؤسسة كهرباء لبنان في حادثة دخول كميات من المياه إلى خزان الفيول اليومي في معمل الجية، ما أدى إلى انفصال مجموعتين عن الشبكة الكهربائية. التأخير يثير تساؤلات، خصوصاً أن اتهامات وُجهت في كتب رسمية تشير إلى شبهات تتعلق بسرقة الفيول أو بوجود إهمال وظيفي، وهو ما تنفيه الشركة.
في 26/1/2019، توقفت المجموعتان الرابعة (45 ميغاواط من الساعة 10 صباحاً حتى 12 ليلاً) والخامسة (55 ميغاواط من الساعة 10 صباحاً حتى 10,45 ليلاً) في معمل الجية الحراري عن العمل. التحقيق في العطل، بحسب تقرير أرسله رئيس التفتيش المركزي جورج عطية إلى مؤسسة كهرباء لبنان في 18 شباط 2019 (حصلت «الأخبار» على نسخة منه)، كشف «وجود كميات كبيرة من المياه (عشرات الأطنان) في الخزان رقم 1 الذي يغذي حرّاقات هاتين المجموعتين بمادة الفيول أويل، ما أدى إلى انفصالهما عن الشبكة الكهربائية».
كيف حلّت المياه محل الفيول أويل؟ لا يفسّر التقرير كيف وصلت المياه إلى الخزان، ولا ما إذا كانت الحادثة الأولى من نوعها، أو إن كانت ناتجة من خلل فني، أو بسبب إهمال وظيفي أو أي سبب آخر. لكنه أشار إلى أن «المفتشية العامة الهندسية كشفت ميدانياً على الخزانات وبرك الترسب فيها (…) وتأكدت من المسؤولين في المعمل أنهم قاموا بانتظام بعملية تفريغ الخزان من الشوائب والمياه»، ما يعني استبعاد الإهمال الوظيفي. ويخلص التقرير إلى الطلب من مؤسسة كهرباء لبنان العمل على التحقيق بموضوع ارتفاع مستوى طبقة المياه داخل الخزان رقم 1 «للحصول على نتائج محددة واستخلاص العبر لعدم تكرار هذه الحادثة».
عطية أكّد لـ«الأخبار» أنه لا يمكنه تفسير ما حصل قبل انتهاء التحقيقات، لافتاً إلى أنه استحصل في ضوء التقرير على «معلومات جديدة قد تكون خطيرة ويفترض التأكد من صحتها، ما يتطلب التوسع في التحقيق». فيما أشار المكتب الإعلامي للمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان إلى أن «دائرة الرقابة العامة حقّقت بالأمر استناداً إلى كتاب التفتيش، ولا يمكن الإفصاح عن النتائج قبل أن تُحوّل إلى التفتيش».
إلا أن كتاباً رفعه المهندس علي شرف الدين، من دائرة متابعة الأداء في معمل الجية، إلى رئيس المعمل، لفت إلى أسباب أخطر، ملمّحاً ضمناً إلى سرقة الفيول وهدر المال العام. إذ يشير الكتاب إلى «حركة نقل فيول أويل مريبة وغير اعتيادية من الخزان رقم 1 إلى الخزان رقم 3 (370 طناً) بتاريخ 27/1 ومن الخزان رقم 3 إلى الخزان رقم 1 (600 طن) بتاريخ 20/2». وأوضح أنه بتاريخ 26/1/2019 (يوم توقف المجموعتين الرابعة والخامسة) لم يجرِ ربط المجموعتين على الشبكة إلا بعد نقل تلك الكميات من الخزان رقم 1 إلى الخزان رقم 3، ما يعني أن معظم هذه الكمية كانت من المياه.
مصادر مؤسسة الكهرباء أكّدت لـ«الأخبار» صعوبة حصول سرقة لمادة الفيول أويل، ناهيك عن صعوبة تصريف هذه المادة، لكونها لا تستخدم إلا في المعامل الكبيرة كمعامل الإسمنت مثلاً. ولفتت إلى «تضخيم» و«استغلال العطل التقني لمصالح معينة». وعزت وجود المياه في الخزان إلى أن الفيول يحتوي على نسبة قليلة من المياه تصرّفها الخزانات عبر فلتر خاص. لكن تجمّع الرواسب النفطية في قعر الخزان منع انسياب المياه طبيعياً عبر الفلتر، ما أدّى إلى وصول المياه إلى الأنبوب الذي يضخ في الخزان اليومي، ما أدى إلى توقف الحرّاقات وانفصال المجموعتين عن الشبكة الرئيسية».
ولكن، ألا يُعَدّ ذلك إهمالاً؟ تؤكد المصادر أن «تفريغ الخزان يحصل بإشراف 7 شركات مراقبة وتختم بعدها الجمارك السكر بواسطة رصاصة، ما ينفي أي إمكانية للسرقة أو الإهمال». وتوضح أن «المعمل عمره 47 عاماً، وأصبحت آلاته قديمة، ما يؤدي إلى مثل هذه الأعطال». مصادر في المؤسسة تلمّح إلى «أسباب شخصية» وراء كتاب شرف الدين الذي «يريد إطاحة رئيس معمل الجية ليحلّ مكانه، وهي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها تقارير توحي بحصول أعمال سرقة وهدر». إلا أن مصادر أخرى تؤكد أن شرف الدين «وثّق كلامه بصور ومستندات رسمية». «الأخبار» اتصلت بشرف الدين الذي امتنع عن التعليق، إذ لا يمكنه التصريح من دون إذن رسمي. واكتفى بالقول إن «التحقيق كفيل بتبيان من على حق. إما نُحاسب أو يُحاسبوا».
حتى كتابة هذه السطور، لم يكن تقرير التفتيش النهائي قد صدر بعد، علماً أن التحقيق يعود إلى نهاية الشهر الأول من العام الجاري، أي منذ نحو شهرين ونصف شهر، وهذا ما يثير، بدوره، تساؤلات عن التأخير في كشف ملابسات حادثة من هذا النوع في واحد من أكبر معامل إنتاج الكهرباء في لبنان!