Site icon IMLebanon

“التعايش” في لبنان: خوف من المواجهة؟ (بقلم راجي كيروز)

عند كل عمل إرهابي يضرب في أي مكان في العالم، يسارع الكثيرون إلى البحث عن هوية منفذي الهجوم وضحاياه، فيتضامنون ويندّدون على “أساس ديني” بشكل رئيسي، وهذا طبيعي إن كانت خلفية الهجوم دينية، كما حدث في نيوزيلندا من قبل، وسريلانكا أخيرًا.

وفي لبنان تحديدًا، لهذا الأمر خصوصيته نظرًا إلى التنوع الديني والمذهبي الموجود، إذ إن كل طائفة في لبنان تعيش مخاوف خاصة بسبب الوضع الإقليمي، المبني في شكل كبير على الصراع الديني.

في أي يوم عادي، يتغنى السياسيون والمواطنون بالتنوع الذي “يميّز” لبنان عن سائر دول المنطقة، ويدعون إلى الحفاظ على الاختلاف “الإيجابي”. ويعلو منسوب “التعايش” في الأعياد، فنرى المسيحيين والمسلمين يعايدون بعضهم البعض…

إلا أن في الأوقات الحساسة، كما في الانتخابات مثلًا، تصبح الطائفة أداةً سياسية لشد عصب الناخبين، وهي أداة أثبتت فعاليتها في بلد كلبنان، فكل طائفة ترى وجودها مهددًا، وتحتاج في طبيعة الحال إلى من يدّعي حمايتها وحقوقها ضد المختلف “الغريب”. الطائفية أمر مرعب، وحصلت حرب أهلية بسببها راح ضحيتها مئات الآلاف، لذا ليس من مصلحة أي طرف اللعب على هذا الوتر الطائفي.

لكن وراء هذا الاختلاف السياسي والاجتماعي في الظاهر، ثمة اختلاف عقائدي أيضًا، إذ إن كل ديانة تعتقد بأمور مختلفة عن الأخرى، وعلى اللبنانيين التعامل مع هذا الاختلاف. اللبنانيون يهابون المواجهة، وعند الحديث في الأساس العقائدي، بعيدًا عن شعارات التعايش والتآخي، يهربون من مجرد النقاش، فكيف المواجهة.

أذكر في هذا السياق أن منذ سنتين تقريبًا، حصل انقسام في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية بين الفرعين الأول (ذات الأكثرية المسلمة) والفرع الثاني (ذات الأكثرية المسيحية) على خلفية حفل تخرج كان سيجمع طلاب الفرعين، عن أمور تتعلق باللباس والكحول، وفق ما قاله عدد من الطلاب حينها. بدأت بعدها محاولات لـ”فض” الخلاف، فكانت زيارة من طلاب الفرع الأول إلى طلاب الفرع الثاني، والعكس لاحقًا. كانت محاولة طيّبة لو لم يكن هدفها لجم “الخوف” – المفترض – من الآخر على أساس الدين، وإلا لكان طلاب الفرعين زاروا كليات الإعلام في جامعات أخرى للتعارف.

كان اللقاء ممتعًا، وحصلت أحاديث كثيرة عن مختلف الأمور الحياتية، باستثناء الدين والسياسة. ففي المنطق اللبناني، الحديث عن هذين الأمرين يؤدي تلقائيًا إلى نشوب خلاف، فلنتستر دائمًا عن الموضوع (لا انتخابات في الجامعة بسبب هذا الخوف). لم تحصل زيارة أخرى مماثلة لاحقًا لأن الوضع لم يعد يحتاج إلى ذلك، إذ أثبتنا جميعنا أننا بشر. لكن هل حقق اللقاء أي شيء؟ كلا. أساس “الخلاف” المفترض لم يُناقش، بل تم الالتفاف حوله.

هذا المثال هدفه القول إن اللبناني يريد العيش مع الآخر من دون أن يعرف حقيقته، أو أن يعترف بها على الأقل. من حق المسلم أن يؤمن بأن يسوع نبي، وهذا يجب ألّا يمنع المسيحي من الإيمان بأن يسوع هو الله. هنا يظهر احترام الاختلاف، إن وجد، فليس تقبّل الاختلاف فقط في الاعتراف بحق المسيحي في أن يحتسي الكحول، أو بحق المسلمة في أن تتحجب، على سبيل المثال.

الدعوة الحقيقية إلى العيش المشترك هي في الاعتراف بهذا الاختلاف العقائدي، وتقبله بدلًا من الهرب منه خوفًا من “إثارة” النعرات الطائفية. فعدم الحديث عن الشيء لا يلغيه. وهذا طريق طويل.