كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
ليس كل ما يلمع ذهباً. تنطبق هذه المقولة، حرفياً، على النتائج التي توصلت اليها إحدى المؤسسات العاملة في قطاع الذهب، إذ بيّنت فحوصات أجرتها على عينة من القطع الذهبية أن نحو 34% منها مغشوشة ومتلاعب في عيارها، أو لا أثر للذهب فيها. وبمعزل عن طبيعة العينة وإمكانية تعميمها، فإنّ المعطيات والوقائع تُنبئ بوجود خلل ممنهج يحكم قطاع الذهب في لبنان، ويطرح تساؤلات حول حجم الرقابة الممارسة على هذا السوق الذي يقدّر حجمه بنحو 600 مليون دولار سنوياً
أواخر شباط الماضي، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي «عصابة» من شخصين ضبطت في حوزتهما ثلاثة كيلوغرامات من «المجوهرات المشبوهة»، و48 ليرة ذهبية مُزيّفة، إضافة الى أختام ودفاتر إيصالات بأسماء محال مجوهرات وهمية. وبالتحقيق معهما، وفق بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، اعترفا بأنهما باعا أصحاب محال مجوهرات في محلتي المزرعة والطريق الجديدة ما يزيد على 700 ليرة ذهبية من عيار 18 قيراطاً، على أساس أنها من عيار 21 قيراطاً. وأقرّ الموقوفان بأنهما استحصلا على «الليرات المزوّرة» من أحد المصانع في طرابلس. وسبقت هذا الخبر، عشرات الأخبار المماثلة حول ضبط كميات من الذهب المزيّف أو المُتلاعب في عياراته.
مصادر معنية بملف الذهب أكّدت لـ «الأخبار» أن هناك مئات ممّا يُسمّى «مصانع ذهب» تعمل في لبنان من دون حسيب أو رقيب، ووصفت سوق الذهب بـ«الفوضوي». وهو ما تؤكّده نتائج فحوصات فنية أجرتها «مؤسسة الأمان» العاملة في تجارة الذهب. المؤسسة التي تعمل في هذا القطاع منذ عام 2008، استحدثت مطلع هذا العام «قسم التحليل الفني الذي يستخدم أحدث التكنولوجيات لفحص دقّة عيار القطع الذهبية» التي يأتي بها الزبائن بهدف بيعها أو رهنها، وفق مديرها التنفيذي محمد بيلون. الأخير أوضح أن من بين 64 عيّنة خضعت للفحص خلال شباط الفائت، تبيّن أنّ 22 منها (نحو 34%) «مغشوشة» و«متلاعب في عياراتها»، وأن ستّاً من القطع المغشوشة تخلو من أي أثر للذهب! واشار الى أن فحوصات الاشهر الأربعة الماضية أظهرت «أن هناك عشرات القطع المُزوّرة جزئياً، وأحياناً هناك قطع مزيّفة كلياً وهي، حرفياً، عبارة عن تنك». بيلون لفت الى أن الغشّ يشمل «الليرات والأونصات التي تشكّل لدى البعض وسيلة للادّخار، وهنا الخطورة». واعتبر أن أعداد القطع المغشوشة التي اكتشفتها المؤسسة في الأشهر الماضية «تُنبئ حتماً بواقع مأزوم، وتطرح تساؤلات حول فعالية الرقابة على السوق». وهذا يعني عملياً، وفق بيلون، «وجود أعمال غشّ ممنهجة تقودها جهات وشبكات منظّمة».
ينسجم ذلك ومضمون دراسة أعدّها قسم البحوث في «بلوم بنك»، مطلع عام 2016، بعنوان «سوق الذهب اللبناني: مُشع ولكن غامض»، خلصت إلى أن صناعة المجوهرات اللبنانية «غير مُنظّمة إلى حدّ كبير وتفتقر الى الشفافية»، إذ «يخلط بعض الصاغة الماس بالزركون ويبيعون العنصر كما لو كان مصنوعاً من الماس فقط»، كما «يبيعون الماس للعملاء مع شهادة تشير إلى أن حجمه أكبر مما هو عليه بالفعل». وأوضحت الدراسة أنه نظراً الى عدم وجود عوائق رادعة، «يمكن لمن ليس لديهم تعليم مسبق أو خبرة في المجوهرات ونوعية الأحجار الكريمة الانضمام إلى السوق» الذي «يجري إغراقه أحياناً بأحجار مُزيّفة أو بحلي منسوخة أو مصنّعة بطريقة سيئة». الدراسة لفتت الى أن «المعنيين في القطاع دائماً ما يقترحون أن تُنشئ نقابة الصاغة مختبراً يُمكّن أن يُطمئن العملاء الى جودة الحلي التي يشترونها».
الغشّ يشمل الليرات و«الأونصات» التي تشكّل لدى البعض وسيلة للادّخار
أهمية ذلك تكمن، بحسب المصادر، في أن «الوسائل التقليدية لفحص الذهب تكون قاصرة في كثير من الأحيان عن الكشف على طبيعة المعدن الفعلي للقطع… فعلى سبيل المثال، حكّ الحجر احياناً ربما يوحي بأن القطعة ذهبية فيما قد تكون في الواقع مغلّفة بالذهب فقط». ولفتت إلى أن النقابات المعنية بهذا القطاع «ليست فاعلة ولا تخدم الهدف الذي ينشده كل من الزبون والتاجر، إذ إنّ كليهما يقعان ضحية الغش»، فيما يُشير بيلون الى أن الخسارة «أحيانا تكون على التاجر أكثر بكثير، وبالتالي مطلب ضبط السوق مطلوب من الجميع».
رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق قال في اتصال مع «الأخبار»، إن النقابة تحوّل أي إخبار يردها حول بضائع مزيفة الى الجهات المعنية عبر التواصل مع وزارة الاقتصاد أو القوى الأمنية، لافتاً الى أن النقابة «تقوم بشكل دوري بالرقابة على التجار لجهة الالتزام بالأسعار وغيرها، إلّا أن المسؤولية الأساسية تبقى على عاتق وزارة الاقتصاد»، فيما نفى رئيس نقابة الصاغة والجوهرجية انطوان مغني وجود بضائع مغشوشة في السوق، لافتاً الى أن إثارة هذا الأمر «خطيرة، ومن شأنها أن تؤثّر على سوق الذهب الواقف أصلاً»، ملقياً بمسؤولية الرقابة على وزارة الاقتصاد أيضاً.
«الأخبار» حاولت التواصل مع المعنيين في الوزارة، إلا أنها لم تلقَ رداً.
الجدير ذكره أن الذهب المغشوش، خلافاً للسائد، يطال بشكل كبير الفئات المتوسطة الدخل، إذ تُظهر دراسة «بلوم بنك» أن سوق المجوهرات في لبنان «سوق كبير وتنافسي ويُقدّر حجمه بـ600 مليون دولار. وهو مُقسّم الى ثلاث مجموعات لكل منها زبائن محدّدون. الأولى، وهي الناشطة في استهداف الزبون النهائي الذي يُنفق القيم الأدنى لشراء الذهب، والثانية تستهدف الزبون الذي ينفق القيم المتوسطة لشراء الذهب، والثالثة (الأقل) تستهدف الزبون الذي ينفق القيم العالية لشراء الذهب». وأشارت الى أن 70% من المبيعات تتم مع عملاء محليين و30% للأجانب، فيما 75% من المجوهرات تنتج محلياً ويتم استيراد الـ25% المتبقية.
اللافت هو ما تشير اليه الدراسة لجهة هيمنة السرية على صناعة المجوهرات، واصفة إياها بـ«المبهمة»، وهي «على مستوى عال من السرية داخل الشركات المصنعة».
لبنان خامس أكبر مصدّر الى أوروبا
بلغ مجموع واردات لبنان من الذهب عام 2015 نحو 738,03 مليون دولار، 70% منها عبارة عن سبائك ذهبية، فيما يستورد نحو 25% من اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن من الألماس للاستخدام غير الصناعي. وتُعتبر صادرات لبنان من اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن، وفق دراسة «بلوم»، ثاني أهم صادرات لبنان (نحو 407,26 ملايين دولار). أبرز الأسواق الرئيسية التي يُصدّر اليها لبنان هي جنوب أفريقيا (44%)، الإمارات العربية المتحدة (25%)، سويسرا (13%)، المملكة العربية السعودية (5%) وهونغ كونغ (3%). كما يعدّ لبنان خامس أكبر مصدر للمجوهرات إلى أوروبا.
62,5 دولاراً كلفة ساعة إنتاج المجوهرات
وفق دراسة «بلوم»، يتمتّع لبنان نسبياً بميزة في إنتاج المجوهرات مقارنة بالدول الأوروبية، عازية الأمر الى جملة من الأسباب المتصّلة بكلفة الإنتاج، إذ إن ساعة عمل واحدة في صناعة المجوهرات في بلدان الاتحاد الأوروبي تُقدّر بـ100 يورو، بينما تُكلّف في لبنان نحو 62.5 دولاراً. ولفتت الى أن المنافسة العالية في السوق اللبناني تؤدي الى انخفاض الأسعار نسبياً، فضلاً عن عامل مهم، وهو أن الأحجار الكريمة والمعادن غير المكتملة المُستوردة لا تخضع للضرائب.