كتب حسين زلغوط في صحيفة “اللواء”:
من نافل القول ان المنطقة برمتها تتقلب على صفيح ساخن، وأن منسوب الخوف من اندلاع حرب واسعة يرتفع يوماً بعد يوم بين إسرائيل وما يعرف بدول الممانعة وفي قدمها «حزب الله»، والمؤشر على ذلك المناورات الإسرائيلية التي تجري في أكثر من مكان، والتي تترافق مع إجراءات أميركية ضد إيران و«حزب الله»، ناهيك عن المواقف والتصريحات اليومية التي تتضمن تهديدات مباشرة بالويل والثبور وعظائم الأمور.
صحيح ان الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله وهو المعروف بصدقه وبُعد نظره في التعاطي مع أمور من هذا النوع، طمأن بأن لا حرباً إسرائيلية محتملة هذا الصيف، غير ان هذه التطمينات لا تُبدّد من هواجس المتابعين لمجريات الوقائع اليوم على مساحة المنطقة والذين يتوجسون خوفاً من اندلاع الحرب في أي وقت، حتى ان البعض من هؤلاء يتصرفون وكأن الحرب واقعة لا محال وان الاستعدادات وصلت إلى مرحلة أي طرف سيطلق الرصاصة الأولى لتشتعل المنطقة في حرب ضروس ومدمرة، وفي مقابل ذلك فإن محللين آخرين يأخذون كلام «السيد» على محمل الجد، وهم يرون ان لا معطيات جدية لوقوع حرب بين إسرائيل و«حزب الله» لاعتبارات كثيرة أبرزها ان الإدارة الأميركية المستعدة لتقديم أي شيء تطلبه إسرائيل منها في المجال العسكري وغير العسكري، لا تبدي رغبة في إعطاء الضوء الأخضر لتل أبيب لتنفيذ أي عدوان على لبنان، وإضافة إلى ذلك فإن إسرائيل هي نفسها لا تضع هذه الحرب أولوية كونها تعي تماماً ان الظروف الموجودة لا تؤهلها القيام بأي مغامرة من هذا النوع غير محسومة النتائج، وهي بالتالي تتجنب خوض أي تجربة مشابهة لعدوان تموز العام 2006، وفي مقابل ذلك، فإن «حزب الله» مرتاح على وضعه لأنه بات يملك من القوة ما تجعله قادراً على خوض أي حرب ومن أي نوع، وأن الكلام الذي قاله السيّد نصر الله بالأمس لا يحتاج إلى تأويل وتفسير من ان الحزب جاهز في أي لحظة للتصدي لأي عدوان، ولعل أبرز ما جاء في الرسالة التي بعثت بها للقيادة العسكرية في إسرائيل هي ان المجال الجوي لم يعد متاحاً كما كان في السابق امام سلاح الجو الإسرائيلي وهو رمى من وراء ذلك الإشارة إلى ان «حزب الله» بات لديه السلاح المناسب للتعامل مع الطائرات الحربية الإسرائيلية، ناهيك عن الارتياح الكبير الذي يتملك السيّد نصر الله تجاه أي حرب برية التي إن هي وقعت ستكون اكلافها كبيرة جداً على الجيش الإسرائيلي الذي ما زال يعيش هاجس حرب تموز لا سيما في عيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل حيث تكبد خسائر فادحة في هجومه البري على هذه المناطق.
تعلم القيادة السياسية وكذلك العسكرية في تل أبيب ان أي حرب تشن على «حزب الله» لن تبقى محصورة في لبنان، فهناك قوى أخرى ستدخل على خط هذه الحرب من غزة إلى الجولان وربما من مناطق أبعد من ذلك بكثير، حيث ان مصادر مقربة من الحزب تؤكد بأن المقاومة ستكون قادرة في أي حرب محتملة على مفاجئة إسرائيل في الجو كما فاجأتها في البحر تموز الـ2006، وهذا الاحتمال تأخذه إسرائيل في حساباتها وهو ما يجعلها تعيد النظر مرات ومرات في أي خطة تضعها لمواجهة «حزب الله».
تقول مصادر متابعة ان إسرائيل تعرف جيداً ان أي حرب جديدة، على لبنان لن تكون نزهة على غرار ما كان يحصل في السبعينات، واوائل الثمانينات حيث وصلت إلى قلب العاصمة بيروت، لكنها ترفع الصوت في هذه المرحلة بهدف الضغط على الولايات المتحدة الأميركية ودفعها في اتجاه اتخاذ قرارات ومواقف تجاه إيران و«حزب الله» بما يخدم مصالحها على غرار العقوبات الأميركية التي بلغت أبعد مدى لها ضد إيران من خلال إعلان واشنطن عن إنهاء الاعفاءات التي كانت منحتها لثمانية دول لمواصلة شراء النفط الإيراني في إطار فرض أقصى الضغوط عليها، لأن إسرائيل تعتقد ان تضييق الخناق الدولي على إيران من شأنه ان يحد من المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها طهران لـ«حزب الله»، وإذ تحقق هذا الهدف فإن إسرائيل ستعتبر انها وصلت إلى مبتغاها كونها تعرف ان لا مصلحة لها باندلاع حرب مع أي طرف من قوى الممانعة إن في غزة أو في لبنان، كما انها لا تملك أي تُصوّر استراتيجي لما سيكون عليه الوضع خارج نطاق الحدود الجغرافية إن في غزة أو في جنوب لبنان، وهي أكثر ما تخاف منه هو فتح جبهة الجولان، وإسرائيل امام هذا المشهد ترى ان مصلحتها في عدم اندلاع الحرب، طالما ان واشنطن تستخدم كل الطرق لإضعاف «حزب الله».
في مقابل ذلك، ترى المصادر ان وضع «حزب الله» مختلف تماماً عمّا تعيشه إسرائيل، فالحزب الذي يُدرك أن أي حرب ستكون مكلفة، فإنه غير خائف من هذه الحرب في كل الترسانة العسكرية التي يملكها. ففي الوقت الذي سارع فيه «حزب الله» بعد حرب تموز إلى تعزيز قدراته والاستفادة من أي أخطاء دفعت آنذاك، وانه أنجز حفر الخنادق لمواجهة أي حرب برية وحصل على السلاح الذي يمكنه من ردّ أي عدوان جوي أو بحري، فإن إسرائيل كانت في هذا الوقت وهي لا تزال تعيش خيبة هذه الحرب الذي يعالج جراؤها مئات الجنود عند أطباء نفسانيين.
وتجزم المصادر بأن الحزب لن يُطلق الطلقة الأولى، وفي مقابل ذلك تحاذر إسرائيل الاقدام على مثل هذه الخطوة، وهو ما يجعل من الصعب تحديد أي ساعة صفر لاندلاع المواجهة.