كتب ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
تخاف صونيا من ركوب سيارة أيّ رجل، حتى لو كانت تعرفه جيّداً، وعندما اضطرت للذهاب إلى الطبيب برفقة جارها، أصيبت بالذعر والهلع، ما دفعها أن تروي لنا قصتها…
«عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، أردت أن أشعر بالتحرر والتميز، فاتخذت قرار الإنتقال بواسطة الأوتوستوب إلى المدرسة، دون أن يعلم أهلي بذلك؛ وإذا بي أرضى بعرض أحد الشبان بإيصالي على طريقه، إلّا أنّ الرحلة لم تكن موفقة بالنسبة لي، إذ أقفل السائق الأبواب بسرعة، واصطحبني إلى جهة مجهولة، والأهم من ذلك أنّه حاول الإعتداء عليّ جنسيّاً، لولا إنقاذ أحد المارة لي منه. كانت تجربة سيئة جدّاً، وأنا لا أتجرّأ منذ خمس عشرة عاماً على تخطي آثارها».
أما سالم فيمنع إبنه من الزواج من الفتاة التي يحبها، بسبب هجر زوجته له منذ عشرين عاماً، وحجّته هي أنّ الزيجات لا يمكن أن تستمر، وإلّا لما تركته شريكته لأنها أحبّت رجلاً آخر.
قد تقلقنا التجارب السابقة المؤلمة، وتحملنا على التردد والخوف والقلق فيما يخص خياراتنا الحالية، إلّا أنّ ذلك لا يُعتبر سليماً في حال منعنا هذا القلق والخوف من التفكير بطريقة منطقية وموضوعية؛ ولا نستطيع تشغيل ذلك المنطق إلّا من خلال التوصل إلى التخفيف التدريجي من الإنفعال، أي السيطرة على المشاعر المرتبطة بتجاربنا السابقة.
فصديق صونيا لن يؤذيها إذا أوصلها إلى مكان محدّد، وبالتالي عليها أن تميّز بين الأشخاص من خلال عدم تعميم خوفها وقلقها على الجميع. فالظروف والأشخاص يختلفان، حتى إنّها هي ذاتها قد تغيرت وتطورت مع الزمن. وإذا نظرنا للموضوع بوعي، لوجدنا أنّ الخوف والقلق عالقان في نفس المراهقة الضعيفة، وليس الفتاة الناضجة والواعية.
وقد تؤثر تجاربنا الماضية والقاسية، المؤلمة على مَن حولنا والأشخاص الذين نحبهم، وعلى أنفسنا بشكل أساسي. فلشدة خوف سالم على مشاعر إبنه من الأذى، محاوِلاً حمايته ممّا تعرّض له، وها هو يمنعه اليوم من الزواج ممَّن يحب. إلّا أنّ ما فاته مهمّ جدّاً وأساسي، فإبنه شخص آخر ومختلف عنه بالتجارب والطباع والميول، والمرأة التي اختارها ليست كتلك التي كان هو متزوجاً بها وتركته، والظروف كلها مختلفة من حيث الزمان والمكان والأشخاص.
من الضروري أن نتعلم جميعاً من تجاربنا السابقة، فنتعلم تكرار الأمور التي ساهمت في نجاحنا وإسعادنا، ونتجنّب، لا بل نحمي أنفسنا ممّا آلمنا وأذى مشاعرنا. إلّا أنه من غير الصائب أن نسمح لما عشناه في الماضي أن يكبّلنا ويضيع علينا الفرص السعيدة. لماذا نقبل أن يصيب الشلل والجمود حياتنا، ونخسر بالتالي أيَّ فرصة بالتعويض عن الخسائر والهزائم السابقة؟
إن علقنا في تجربة حزينة ولم نتمكن من تخطي آثارها، فهذا دليل على شدة الألم واللوعة، لكن لا علاقة له بالمنطق والحكمة، والجدير بالذكر أنه كلما زادت المشاعر والإنفعالات، كلما تحكّمت بقراراتنا التي يضعف فيها الإدراك والوعي. حتى إنّ سيطرة العواطف إيجاباً على قراراتنا تساهم في إفشال المشاريع المستقبلية.
وكم من حالة زواج متسرعة، مبنية على الرغبة والإنجذاب، وصلت إلى طريق مسدود عند وصولها إلى أرض الواقع، فيبرز التأثير السلبي للفارق الكبير في السن، في الدين، في المستوى الإجتماعي والثقافي… فيفترق مَن تحكّمت بهما الغرائز والإنفعالات والعواطف.
لنجعل من تجاربنا السابقة دروساً، نكتسب منها تجنّب تكرار الأخطاء، لكن لا تمنعنا من العيش والفرح والقيام بالمزيد منها. ولو منعك ماضيك من المحاولة من جديد فاعلم بأنك مصاب بصدمة عاطفية، تحتاج معها لمساعدة المختصين، ما لم تتمكّن من القيام بذلك بنفسك.
كيف تعرف أنّك مصاب بصدمة نفسية أو عاطفية؟
إن كنت تعيش حالة صدمة نفسية أو عاطفية، فأنت تعاني من القلق والخوف والتوتر بشكل شبه دائم، كما أنك تفقد الثقة بالأحداث والأشخاص ويرافقك شعور بعدم الراحة، خصوصاً في الأمور المتعلقة بسبب الصدمة كالحروب والعنف والإنفصال والتحرش الجنسي والإغتصاب.
يكفيك ما خسرته جراء التجارب السلبية، لا سيّما تلك التي مرّ عليها زمن، أطلب الدعم والمساعدة فأنت تستحق الأفضل.