كتب ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
لا يَحجب «صَخب» التفتيش عن الموازنة الأكثر «رشاقة» وتقشفاً منذ «اتفاق الطائف» مشهد إعادة ترسيم الحدود في العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري و«حزب الله» في اتجاه مزيد من التعاون والتنسيق والتقاطعات الممكنة «حيث تدعو الحاجة». سعد الحريري «الجديد»، الذي أعلن «الشيخ» بنفسه عن ولادته، تلاقيه مقاربة متقدّمة من جانب «حزب الله» في التعاطي مع رئيس تيار «المستقبل» في ولايته الحكومية الثالثة.
بعد نحو ثلاثة أسابيع من تعيين ريّا الحسن وزيرة للداخلية تلقت اتصالاً من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا للتعارف وتبادل الأحاديث في ملفات مشتركة.
تزامن اللقاء «الودّي والصريح» بين الحسن وصفا مع حدثين خارجي وداخلي: الأول إعلان بريطانيا حظر الجناح السياسي لـ «حزب الله» وتصنيفه منظمة إرهابية، والذي قابله الحريري بموقف واضح باعتبار القرار «يخصّ بريطانيا ولا علاقة للبنان به»، والثاني حملة وزارة الداخلية في إزالة مكعبات الإسمنت والتخفيف من الاجراءات الأمنية الاستثنائية في المناطق.
عملياً، كان «حزب الله»، وفق المعطيات، قد بادر قبل تعيين الحسن الى التخفيف من حجم التدابير الأمنية في الضاحية الجنوبية ربطاً بانحسار بقعة نفوذ «داعش» في سوريا، وتحرير الحدود اللبنانية من خطر الجماعات التكفيرية وصولاً الى عمق الداخل.
«زبدة» اللقاء تمحورت حول بقاء خطوط التواصل مفتوحة، وإن بقيت الحسن مستمعة في غالب الوقت لحديث صفا، وفي الإفصاح عن رغبتها في زيارة الضاحية الجنوبية قريباً.
لكن مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار، كشفت أنّ زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو للبنان تكفّلت «أقلّه في فرملة الزيارة، وليس بالضرورة إلغائها»!
ويمكن في سياق هذا المشهد التسليم بجملة «ثوابت» باتت تحكم العلاقة بين الحزب ووزارة الداخلية، بعد ولايتين وزاريتين للمشنوق وصولاً الى تعيين الحسن، أولها إستمرار التنسيق الأمني، وهو بالتأكيد حاجة للطرفين، إضافة الى الاستجابة لطلبات «روتينية» للحزب، كما بقية الاحزاب، والتواصل البديهي الذي تفرضه متطلبات الأرض..
بالطبع، الحسَن نسخة مغايرة تماماً في مقاربة الملفات الأمنية الحسَاسة، وفي شبكة العلاقات بين الداخل والخارج، وأسلوب مخاطبة المعنيين بالمنظومة الأمنية عن سلفها نهاد المشنوق، وزير «الأمن والتسويات» والشريك في «التسويق» لقرارات مفصلية، من مصاف إنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن «حزب الله» معني بالصيانة الدائمة لـ«لينك» التواصل مع «الداخلية» بغض النظر عمّن يجلس في مقرّ الصنائع.
والدليل أنّ اقتناع الحزب بكون ريا الحسن هي وزيرة «الشؤون المَدنية» في الداخلية، لا يحجب الإصرار على الحفاظ على ما تمّ مراكمته في مسار التنسيق مع الوزارة الأمنية، بصفتها أيضاً أحد أبواب العلاقة مع تيار «المستقبل» والحريري.
عملياً، لم يختلف لقاء الحسن- صفا في أواخر شباط الماضي، والذي ستتبعه بالتأكيد لقاءات أخرى، عن ذاك الذي جَمَع صفا بالمشنوق عام 2014، والذي جاء في سياق وضع خطة لفك الحصار عن بلدة الطفيل، في اعتبار انّ «حزب الله» كان جزءاً أساسياً من الحرب الدائرة في سوريا.
الفارق فقط في «الصورة» التي سُرّبت الى الاعلام، والتي فتحت أبواب «جهنم» على المشنوق، لكنها عَكست في الواقع ما يدور في الكواليس المغلقة منذ تدشين مرحلة ربط النزاع مع الحزب. من لا يذكر في هذا السياق زيارة «الحاج وفيق» لمنزل وزير العدل السابق أشرف ريفي!
عملياً، مسؤولو «حزب الله»، كالمعاون السياسي للأمين العام الحاج حسن خليل، والحاج وفيق صفا وغيرهم هم «ضيوف» دائمون على طاولات أمنية ومقار رسمية ومنازل مرجعيات سياسية…!
لا يستوي هذا المشهد سوى برصد ما يجري داخل «بيت الوسط» وعلى طاولة مجلس الوزراء. لم يعد حضور الحاج حسين خليل في منزل الحريري أمراً خارجاً عن المألوف السياسي، فممثل السيد نصرالله زار «بيت الوسط» أكثر من مرة خلال مرحلة المداولات في قانون الانتخاب ثم خلال أزمة تمثيل «اللقاء التشاوري» في الحكومة، لكن، الإضافة النوعية تتمثل في ما «تبشّر» به مصادر مطلعة من مواقف «جريئة» ونوعية سيلاقي فيها الحزب الساعين الى موازنة تقشفية من دون المسّ بـ «الخط الأحمر» الذي تحدّث عنه الأمين العام السيد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة.
القريبون من الحريري يشيرون الى حرصه، خصوصاً منذ إعلان «حزب الله» إنخراطه الكامل في العمل السياسي الداخلي ورفع شعار مكافحة الفساد، على معرفة ما يدور في ذهن السيد ومعاونيه في شأن الملفات الداخلية كالموازنة ومكافحة الفساد والملفات الاساسية المطروحة على طاولة مجلس الوزراء…
وباستثناء الخطاب العالي السقف الذي أطلقه النائب حسن فضل الله من مجلس النواب في شأن الحسابات المالية، وأدى الى فتح مواجهة مباشرة مع الرئيس فؤاد السنيورة وفريق تيار «المستقبل»، وتعبير الحريري لاحقاً عن إستيائه من «الهجمة» غير المبرّرة، لم تؤد مقاربة وزراء الحزب ونوابه، إن في موضوع الموازنة أو حملة مكافحة الفساد، الى «إستفزاز» الحريري وتياره، مع تفهّم كامل للوقت الذي طلبه الحاج حسين للعودة مع إجابات قابلة للنقاش في شأن عدد من بنود الموازنة.
«طلب الوقت» إستند بنحو أساس الى رغبة الحزب في المواءمة بين ما تقتضيه أكبر عملية تقشف في تاريخ الموازنات، وما يتحمّله الشارع، وتأثيرات ذلك على الوضعين المالي والاقتصادي.
وقبل أن تشرع الحكومة في مناقشة الموازنة «الاستثنائية» كان السيد نصرالله قد تكفّل بتظهير موقف غير مسبوق للحزب: «الجميع شركاء في ايجاد الحلّ بمعزل عن تصنيف من يتحمّل المسؤولية عمّا وصلنا إليه من أوضاع».
وما أعطى الحريري جرعة إطمئنان زائدة مقاربة السيد لمؤتمر «سيدر» بكثير من الايجابية في اعتباره «الحافز» الذي دفع اللبنانيين الى ايجاد حلّ للأزمة «غصباً عنهم»، ودعوته كافة القوى السياسية الى «النقاش الجاد بعيداً من المزايدات والشعبوية»، وإشارته الى ضرورة اتخاذ «قرارات شجاعة». هذا يعني بكل بساطة أنّ «حزب الله» لن يؤلّب شارعه ضد أي إجراءات «صعبة» قد تتخذها الحكومة.
ويُنقَل عن قريبين من «حزب الله» تأكيدهم «أنّ الحزب في ورشته الداخلية يبتعد كلياً عن الاستعراضات والشعبوية، وقد أجرى في الفترة الماضية عملاً داخلياً مضنياً في موضوع الأرقام والموازنة تحت عنوانين أساسيين: عدم المسّ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، والمساهمة في التوصّل الى موازنة تحمل معنى التقشف الفعلي وخفض العجز».
ويرى مطلعون، أنّ مقاربة الحزب للملفات المطروحة وعلاقته مع رئيس الحكومة و»تياره» اليوم يشكّلان امتداداً لقرار مُتخذ داخل أروقته: التعامل مع الحريري كرئيس حكومة لا بديل منه في المرحلة الراهنة على رغم كل التباينات السابقة، خصوصاً خلال عملية تأليف الحكومة، وقرار ثابت بعدم مهاجمته أو إضعافه، ولا أمر عمليات خلاف ذلك… وآخر الأمثلة إنتخابات طرابلس الفرعية، وقبلها وبعدها، موضوع العلاقة مع سوريا وأزمة النازحين والموازنة».