من حيث لا يدري أحد، وفي التوقيت الذي لم يتوقعه أحد، أخرج الرئيس نبيه بري من “قبّعته” أرنب طرح قانون جديد للانتخابات ليحرّك مياهاً سياسية راكدة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وسط الغرق في وحول الإفلاس والفساد ومحاولات الخروج من مستنقعات الأزمات المالية والاقتصادية التي يتخبّط فيها لبنان.
بطبيعة الحال فإن أحداً من القوى السياسية ليس بوارد الدخول اليوم في نقاش حول قانون جديد للانتخابات لأكثر من ألف سبب وسبب، وأهم هذه الأسباب أن كل الاهتمام منصبّ اليوم على الأوضاع المالية والاقتصادية، وعلى محاولة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر “سيدر” لمحاولة الحصول على الأموال أو القروض الموعودة قبل فوات الأوان.
وإذا كان طرح قانون جديد للانتخابات باكراً للنقاش السياسي أمر صحي في المطلق لأنه لا يجوز في كل مرة أن يتم تغيير قانون الانتخابات قبل أشهر قليلة أو اسابيع من الاستحقاق الدستوري، فإن ما يثير الدهشة هو أن أحداً لم يطرح تعديل قانون الانتخابات الحالي، وإن كان أكثر من طرف أبدى امتعاضه منه، وخصوصاً على سبيل المثال الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل.
ولكن شتّان ما بين طرح الرئيس نبيه بري قانون النسبية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة ومن دون صوت تفضيلي حتى، وما بين الرئيس سعد الحريري الذي ليس في وارد أن يخوض مواجهة سياسية قد تكون مكلفة جداً مع الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل في حال حاول الحريري الإطاحة بالقانون الحالي، كما أنه في أي حال من الأحوال ليس في وارد “الانغماس” في المزيد من النسبية، تماماً كما هي حال زعيم المختارة الذي يفضّل العودة إلى قانون الستين أو أي قانون أكثري لا أن يذوب في بحر الدائرة الواحدة!
من جهة أخرى يشكل طرح الرئيس بري، وهو طرح ليس بجديد عليه، أقسى درجات الاستفزاز للمسيحيين، وتحديداً لأحزابهم الكبرى وفي طليعتها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” اللذين لن يقبلا بالذهاب نحو الدائرة الواحدة أو دوائر انتخابية غير الحالية حتى لا يقعا فريسة تحت رحمة العددية الشيعية.
المفارقة في طرح الرئيس بري الانتخابي أنه يشكل استفزازاً للمسيحيين الذين برهنوا أن القانون الحالي مكّنهم من الاتيان بحوالى 54 نائباً بأصواتهم، بغض النظر عن الكثير من الشوائب التي اعترت القانون الحالي والتي قد تحتاج ربما إلى نقاش وتعديلات، في حين أن قانون النسبية على صعيد لبنان دائرة واحدة يحجّم المسيحيين ويجعلهم يتحكمون بما لا يتعدى ثلث نوابهم فيما لو كانوا موحدين كقوى، وفي وضعهم الحالي سينحصر تأثيرهم بأقل ربما من 20 في المئة من النواب المسيحيين!
وهذا الطرح الانتخابي يعيد إلى الأذهان معادلة طرح “إلغاء الطائفية السياسية” في كل مرة كان المسيحيون يطرحون تنفيذ اتفاق الطائف لناحية الانسحاب العسكري السوري أو على الأقل إعادة تموضع الجيش السوري باتجاه البقاع، ما يجعل الكثير من الأسئلة مشروعة، وأهمها:
ـ أي مقايضة سياسية أو دستورية يبحث عنها الرئيس نبيه بري اليوم؟ وهل هي باسمه أم باسم “حزب الله”؟
ـ هل طرح المسّ بقانون الانتخابات الذي أمّن حداً مقبولاً من المناصفة الفعلية نيابياً وحكومياً يشكل تعويضاً عن عدم إمكانية طرح تعديل النظام علناً باتجاه المثالثة، فتتحقق عملياً كنتيجة لقانون الانتخابات المطروح من دون الحاجة لتعديلات دستورية؟
ـ أم أن المقايضة المطروحة في هذا التوقيت تتعلق بالتهويل بقانون الانتخابات في مقابل السعي للتخفيف من حدة العقوبات المفروضة على “حزب الله” وإيران عبر إجراءات داخلية وحتى سلطوية يبحث عنها الحزب؟
كل الأسئلة مشروعة، تماماً كما أن طرح قانون جديد للانتخابات هو مشروع، وإن كان غير بريء على الإطلاق!