IMLebanon

بركات: فرصة التصحيح المالي تقتضي التقشف الجدّي

اعتبر المدير العام المساعد ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة مروان بركات أنه “لا يزال هناك مجال لتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في المالية العامة، بدلاً من التدابير ذات التداعيات السلبية الطويلة الأمد مثل خفض سعر صرف الليرة أو إعادة هيكلة الديون، إذ لا يزال هناك مجال لخفض العجز المالي العام وكبح نمو نِسَب المديونية من خلال عدد من التدابير المرجوّة على صعيد الإيرادات والنفقات العامة والتي تتمحور بشكل خاص حول زيادة تعبئة الموارد، وتحسين جباية الضرائب، وتقشف في الإنفاق، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتطبيق مقررات مؤتمر “سيدر”، بالإضافة إلى إدارة رشيدة لموارد النفط والغاز”.

التقشف في الإنفاق: وقال بركات في حديث لـ”المركزية”: ثمة فرصة اليوم للتصحيح المالي تقتضي التقشف الجدي وتعزيز نِسَب الاقتطاع وتحفيز الجباية والحوكمة. في ما يتعلق بالتقشف في الإنفاق العام، هناك مجال لخفض النفقات غير الثابتة (خارج الأجور والرواتب وخدمة الدين والتحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان) بنسبة 20% على النحو الذي اقترحه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، ما من شأنه أن يحقق وفورات بمقدار 0.9 مليار دولار، أي ما يعادل 15% من العجز المالي للعام الماضي. كما أن انخفاضاً أكثر حدة في النفقات غير الثابتة بنسبة 40٪ ضمن سيناريو أطول أجلاً قد يؤدي إلى تحقيق وفورات قدرها 1.6 مليار دولار من إجمالي الإنفاق المتغير البالغ 4.3 مليار دولار.

إصلاحات الكهرباء: أضاف: وفي ما يتعلق بإصلاحات قطاع الكهرباء، هناك إمكانية أن يصبح القطاع مُربحاً على المدى المتوسط​​، عقب عجز قطاعي بقيمة 1.7 مليار دولار في العام الماضي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصلاح القطاع عبر بناء محطات الطاقة اللازمة، وضمان الكهرباء على مدار 24 ساعة ورفع رسوم الكهرباء. مع الإشارة إلى أن تعرفة الكهرباء في لبنان يمكن أن تزيد بما لا يقل عن 40٪ (أي من 9.5 سنت لكل كيلوواط ساعة حاليًا إلى 14 سنتاً لكل كيلوواط ساعة، وهي تبقى أقل من المتوسط ​​العالمي البالغ 19 سنتًا لكل كيلوواط ساعة)، عندها يتوقف اللبنانيون عن دفع فواتير مزدوجة وحصرها بفاتورة واحدة لمؤسسة كهرباء لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أن الفاتورة التي تُدفع للمولدات الكهربائية تبلغ حوالي 25 سنتًا لكل كيلوواط/ ساعة.

تعبئة الموارد: أما ما يتعلق بتعزيز تعبئة الموارد، فأشار بركات إلى أن “نسبة تعبئة الموارد في لبنان لا تتجاوز 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل من متوسط البلدان النامية البالغ 26٪ ومتوسط البلدان المتقدمة البالغ 36%”. وتابع: في حين أن تعزيز الاقتطاع لا يزال خاضعًا للتجاذب السياسي في البلاد بسبب الضغوط الاجتماعية التي يمكن أن تولدها أي زيادات ضريبية في اقتصاد واهن النمو، نعتقد أنه كشرط أساسي لأي زيادة ضريبية، يحتاج لبنان إلى ضمان مكافحة الفساد تدريجاً حتى يتم تقبّل ضرائب إضافية بشكل عام من قبل اللبنانيين.

وثمّن “الجهود المبذولة حاليًا لتعزيز الحوكمة ولكن ينبغي استكمالها بتدابير أكثر صرامة في الإدارة العامة”.

التهرّب الضريبي: وبالنسبة إلى مكافحة التهرّب الضريبي، قال: هناك مجال لسدّ ما لا يقل عن ربع فجوة التهرب الضريبي التي نقدر حجمها بحوالي 4.8 مليارات دولار، تتأتى بشكل رئيسي عن ضرائب الدخل وفواتير الكهرباء والضريبة على القيمة المضافة والضرائب الجمركية والعقارية. ما من شأنه أن يضمن إيرادات سنوية إضافية بقيمة 1.2 مليار دولار، أي ما يعادل 2.25٪ من الناتج المحلي الإجمالي، يكاد يناهز نصف الجهد الإصلاحي الذي التزم به لبنان في مؤتمر “سيدر”.

الإصلاحات والمصارف: وتطرّق بركات إلى “ما يُحكى عن تضحيات إضافية من قبل المصارف، فقال: نعتبر أن على الدولة أن تقوم بإصلاحات جدّية بماليتها العامة أولاً، قبل اللجوء مجدداً إلى المصارف التي لم ولن تألو جهداً في المساهمة في تحسين بنية مخاطر الدولة اللبنانية، خصوصاً إذا جاءت التضحيات المنتظرة في سياق سلسلة متكاملة تشمل مختلف العملاء الاقتصاديين في المجتمع اللبناني.

أضاف: في حال تم تنفيذ جميع هذه التدابير، قد لا يكون هناك عجز ملموس في المالية العامة على المدى المتوسط. أما وفي حال تم تنفيذ نصف هذه التدابير لا سيما نتيجة تجاذبات سياسية داخلية محتملة، فهناك مجال لخفض العجز المالي العام من 11% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.5% في أفق أقصاه 5 سنوات وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة، ما يشير إلى أن أرقام المالية العامة لا تزال قابلة للاحتواء وأن البلاد لم تقع بعد في فخ المديونية، على الرغم من أوضاع المالية العامة الواهنة في المرحلة الحالية.

وخلص إلى التأكيد، أن “كل ذلك يتطلب حدًا أدنى من الإجماع السياسي المأمول عقب تشكيل حكومة جديدة طال انتظارها. من هنا، ينبغي على جميع الأطراف السياسية في البلاد الشروع في خيارات صعبة عبر إصلاحات هيكلية أكثر إلحاحيّة والتي من شأنها أن تجنّب لبنان تجرّع الكأس المريرة الناجمة عن غياب المبادرات الإصلاحية والانتقال من مرحلة الاحتواء التدريجي للمخاطر الكامنة كشرط أساسي للنهوض بالاقتصاد على المدى المتوسط والطويل.