كتب محمد شبارو في صحيفة “العربي الجديد”:
عاد الحديث أخيراً في لبنان إلى “الاستراتيجية الدفاعية”، المفترض أن تنتج صيغة توافقية بين الدولة و”حزب الله”، يتمّ فيها حصر السلاح بيد الجيش اللبناني. وقد عاد الكلام عن الاستراتيجية بعد غياب طويل نسبياً، على خلفية تصريحات وزير الدفاع اللبناني الياس بو صعب، أثناء جولة له في الجنوب اللبناني هذا الأسبوع، ربط فيها بين “الاستراتيجية الدفاعية وزوال الأخطار الإسرائيلية”، معتبراً أن “لبنان يحتاج إلى استراتيجية دفاعية تبحث حين تزول الأخطار الإسرائيلية”، ما أثار انتقادات من قبل الأحزاب التي كانت منضوية سابقاً في إطار تحالف “14 آذار”، لكونها تعني بقاء سلاح حزب الله لفترة طويلة.
غير أن بو صعب عاد وأوضح كلامه في لقاء تلفزيوني، مشيراً إلى أن “عنوان استراتيجية الدفاع الوطني هو حصر السلاح في يد الجيش اللبناني فقط، وأن حزب الله وأطرافاً آخرين معنيون بهذا الأمر”. كما أكد أن “رئيس الجمهورية ميشال عون سيطلق مبادرة قريبة لجمع الأطراف اللبنانية إلى طاولة حوار واحدة لمناقشة استراتيجية الدفاع الوطني”.
وبغضّ النظر عن السجال القديم – الجديد، إلا أن الحديث عن دعوة عون لطاولة حوار لبحث “الاستراتيجية الدفاعية” مكرر، بل سبق له أن طرح مناقشتها حين انتُخب رئيساً في تشرين الأول 2016. وكشفت مصادر حكومية لـ”العربي الجديد”، أن “بحث الاستراتيجية الدفاعية سيتم بعد حلحلة الملفات الاقتصادية والمعيشية الداهمة، وعلى رأسها إقرار الموازنة العامة”.
وأضافت المصادر أن “الدعوة لطاولة الحوار، نابعة من أن لبنان مُحرج دولياً بسبب نكثه بوعوده، فضلاً عن أن هذه التعهدات مرتبطة أيضاً بأموال مؤتمر سيدر الموعودة، وخصوصاً أن لبنان التزم خلال هذا المؤتمر بجملة أمور منها ما هو متعلق بالإدارة ومحاربة الفساد، ومنها ما هو سياسي متعلق بالنأي بالنفس، وبالقرارات الدولية الخاصة بلبنان، وكذلك ببحث الاستراتيجية الدفاعية، بوصفه العنوان المرادف لمطلب المجتمع الدولي بسحب سلاح حزب الله”.
وبات واضحاً أن طريقة مقاربة لبنان الرسمي لملف “حزب الله”، لا تنسجم مع الواقع، ما تسبّب بانزعاج دولي. وظهر التفاوت في موضوع “النأي بالنفس”، الذي يحيّد لبنان عن صراعات المنطقة بالاسم، لكن حزب الله تورّط بالفعل ميدانياً في سورية، على الرغم من اعتماد خطاب القسم لعون، والبيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري، مصطلح “النأي بالنفس”، مبدأً رسمياً للدولة اللبنانية.
واعتاد لبنان الرسمي الردّ على المطالبات الدولية بشأن تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسلاح حزب الله، بإحالتها على “الاستراتيجية الدفاعية”. مع العلم أن مجلس الأمن أصدر القرار الدولي رقم 1559 عام 2004، الذي نصّ في أحد بنوده، على الدعوة إلى “حلّ جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها”، وتأييد “بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية”. كما أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1701 عام 2006، المتعلق بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، بعيداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة. مع ذلك فإن إحالة الأمر إلى طاولة الحوار، لم تجد نفعاً منذ عام إلى اليوم.
حتى إنه في عام 2012 لم يلتزم “حزب الله” بسياسة “النأي بالنفس”، التي أقرّت أصلاً على طاولة حوار عُقدت في قصر بعبدا الرئاسي برعاية رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان، وصدر وقتها “إعلان بعبدا”. الإعلان الذي تضمّن “النأي بالنفس”، تنصّل منه “حزب الله”، متوجهاً إلى سورية للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد، ما أدى إلى أزمة سياسية بين سليمان والحزب.
عام 2019، تبدو الأمور مختلفة قليلاً، فحزب الله لا يمانع في عودة الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية، غير أنه في المقابل تتحدث مصادر حكومية عن “ظروف دولية غير مؤاتية اليوم لعودة طاولة الحوار، لأنه سيعني رضوخاً لبنانياً للحرب التي تشنّها واشنطن ضد الحزب وضد إيران اقتصادياً ومالياً. بالتالي قد يتريث عون قليلاً في انتظار اتضاح مسار الأمور التي تختلط فيها العوامل الإقليمية السورية والإسرائيلية”.
ولا يعني انعقاد طاولة الحوار أن مسألة سلاح “حزب الله” ستكون وضعت على سكة الحل، خصوصاً وسط التضارب في وجهات النظر بين مختلف الأطراف في لبنان، بل قد تكون محاولة منه لتحييد الضغط الداخلي عليه، في ظلّ تفرّغه لمواجهة الاستحقاقات الخارجية، ومنها العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران وتداعياتها. في المقابل، يعتبر البعض أن عقد مزيد من طاولات الحوار سيكون مضيعة للوقت ومحاولة لرشوة المجتمع الدولي.
وكانت طاولة الحوار، سُميّت في بعض الأحيان طاولة تشاور، عُقدت مراراً منذ عام 2006 بداية برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وخصصت لمناقشة الملفات العالقة بين قوى “8 آذار” وقوى “14 آذار”، في المرحلة التي تلت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري (2005)، وأبرزها القرار المتعلق بسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، الذي لم ينفذ بسبب ارتباط الفصائل التي تمتلك سلاحاً خارج المخيمات بالنظام السوري. ثم عقدت الطاولة مجدداً بعد انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية، وتوقيع اتفاق الدوحة، بعد أحداث 7 أيار عام 2008 التي سيطر فيها حزب الله عسكرياً على بيروت.
وطُرحت صيغ عدة لاستراتيجيات دفاعية مختلفة على طاولات الحوار، لعل أهمها تلك التي يروّج لها “حزب الله” وتتحدث عن تنسيق بين الحزب والجيش اللبناني، على اعتبار أن الخطر الإسرائيلي لا يزال حاضراً، فيما تتمسك الأحزاب التي كانت متحالفة في إطار قوى “14 آذار” باستراتيجية تحصر السلاح بيد الجيش اللبناني.