IMLebanon

هل تمرّ الإجراءات المؤلمة لخفْض العجز على البارد؟

كأنّه في رحلة عبور «مثلث برمودا». هكذا يبدو لبنان هذه الأيام على عتبة محاولةِ إيجادِ «ممراتٍ آمنة» لخروجه سالِماً من الخطر المالي المتعاظم، في لحظةِ سيناريواتٍ مفتوحة على الحرب وعدمها مع اشتداد المواجهة الأميركية – الإيرانية وتدحْرج كرة العقوبات الموجعة على «حزب الله».

وتعود بيروت غداً إلى يومياتٍ باتت محكومةً بأرقامِ موازنة 2019 ومعادلاتها التقشفية التي تبدأ بالتَكَشُّف تباعاً مع انطلاق مناقشات مشروعها في مجلس الوزراء (الثلاثاء) في جلساتٍ متتالية (تقطعها الأربعاء عطلة عيد العمال) وصولاً إلى إقرارها وإحالتها على البرلمان، في الوقت الذي لا يبدو أن ثمة مَن يملك جواباً على سؤالِ مفاده: هل «التصفيح» المالي للواقع اللبناني، إذا حصل بشكلٍ سليمٍ، سيكون كافياً لـ «نجاة» البلاد من منزلق الانهيار في ظلّ الأكلاف السياسية والمالية والاقتصادية التي ترتّبها – وقد يستدرج المزيد منها – وضعية «حزب الله» وخياراته العابرة للدولة والحدود.

وعشية «فتْح دفاتر» مشروع الموازنة وانكشاف حقيقة الإجراءات المؤلمة التي ستُعتمد للحدّ من العجز ووقف مسار الانحدار نحو «هاوية اليونان» و«تأهيل» لبنان للاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر» للنهوض الاقتصادي، يسود البلاد ما يشبه «حبْس الأنفاس» لما ستحمله أولى جلسات المناقشة داخل الحكومة من زاويتيْن: الأولى رصْد طبيعة الخيارات المطروحة في سياق «تقشف الحدّ الأقصى» ولا سيما تلك التي أُبقيت «مَخْفيّة» ولم تُدرج في متن المشروع، وإذا كانت ستشمل تجميد 15 في المئة من الرواتب في القطاع العام (ابتداءً من شطور عالية) والمساس بالتدبير رقم 3 في المؤسسة العسكرية ورواتب المتقاعدين وفرْض رسوم جديدة على البنزين وزيادة على ضريبة القيمة المضافة، وذلك إلى جانب سلّة التدابير المتعلقة بمخصصات وبدلات وامتيازاتٍ وتعويضات لكبار الموظفين وتوجهات ضريبية أخرى مثل رفع الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات لدى المصارف من 7 إلى 10 في المئة.

والزاوية الثانية ترقُّب مستوى التوافق السياسي على الإصلاحات وإجراءاتها باعتبار أن ذلك سيشكّل ما يشبه «كاسحة الألغام» أمام إقرارها، ولا سيما في ظلّ المناخ الذي يعكس «تحفُّزاً» في الشارع لدى العسكريين المتقاعدين وقطاعات أخرى للتحرك مجدداً بوجه أي خيارات تمس بالمعاشات التقاعدية أو بعض التقديمات الاجتماعية، وسط فيضٍ من التحليلات والقراءة في ما ستحمله الخيارات التقشفية، وبعضها لا يُبْدي تفاؤلاً بأنها ستُخرج لبنان من دائرة الخطر على عكس بعضها الآخر الذي لا ينفكّ يذكّر بأن المسار الإصلاحي سيعقبه تحريك العجلة الاقتصادية من خلال المشاريع المموّلة عبر مخصصات مؤتمر «سيدر» البالغة نحو 11 مليار دولار.

وفي اللحظة التي تتركّز «العدسة» على الواقع المالي والمساعي لمواءمته مع مقتضيات «سيدر» والتي تخْضع لمعاينة لصيقة من المجتمع الدولي، لا يغيب عن المَشهد الداخلي المناخ العاصِف في المنطقة التي دخلت منعطفاً جديداً مع القرار الأميركي الحاسم بالذهاب حتى النهاية في خنْق إيران عبر محاولة تصفير صادراتها النفطية والتصدي لتمدُّد نفوذها والسعي إلى تطويق وتطويع أذرعها سواء في الداخل (الحرس الثوري الإيراني) أو الخارج (حزب الله وجماعات أخرى) عبر عقوبات «جرّارة» مرشّحة لمزيد من الفصول القاسية.

ورغم استبعاد دوائر مراقبة فتْح الجبهة بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، فإن أوساطاً سياسية لا تُخْفي القلق من أن يُفْضي الضغطُ المتصاعد على خط واشنطن – طهران أو لجوء تل أبيب إلى ضرباتٍ خاطفة وموْضعية ضدّ أهداف للحزب في «بلاد الأرز» على غرار ما يحدث في سورية، إلى خياراتٍ غير محسوبة في سياق إما تخفيف الضغط أو توجيه رسائل، يمكن أن تنزلق معها الأمور إلى صِداماتٍ متفلّتة من الضوابط.
وحسب هذه الأوساط، فإن الكلام في بيروت عن اتجاهٍ لمعاودة بحث مسألة الاستراتيجية الوطنية للدفاع (سلاح حزب الله) قد يكون في إطار محاولة من لبنان الرسمي لفرْملة أي أجواء دولية ضاغطة عليه في هذا الملف على غرار ما عبّر عنه مضمون خلاصات التقرير نصف السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرار 1559 أو ما سيتضمّنه التقرير المرتقب حول القرار 1701 ولا سيما لجهة ملف الأنفاق العابرة للحدود بعدما أكّدت قوة «اليونيفيل» قبل أيام أن 3 من الأنفاق الستة التي كان الإسرائيليون أبلغوا عنها هي عابرة للخط الأزرق «في انتهاكٍ للقرار 1701».