كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
على رغم من التمايزات، وأحياناً التباينات، التي تظهر بين روسيا ومحور المقاومة من حين الى آخر، خصوصاً بالنسبة الى ملف النزاع مع اسرائيل، إلّا انّ قوى هذا المحور تحرص على إبقاء منسوب التعاون والتنسيق مع موسكو مرتفعاً، سواء في مواجهة الارهاب أو في مواجهة السياسات الاميركية التي يصيب ضررها كلّاً من روسيا وحلفائها في المنطقة.
يدرك «حزب الله» أهمية تعزيز القواسم المشتركة التي تجمعه وحلفاؤه مع موسكو في اكثر من ساحة وملف، إنما من دون ان يتجاهل في الوقت ذاته حقيقة ثبتت صحتها مرات عدة، وهي انّ نظرة الجانبين الى طريقة مقاربة العامل الاسرائيلي ليست واحدة، وانّ هناك تضارباً في القراءات والمصالح بينهما حيال الموقف من تل أبيب.
وتحت سقف هذه البراغماتية، زار عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض موسكو أخيراً، حيث شارك في مؤتمر الامن الدولي الذي عقد في 23 و24 و25 نيسان المنصرم. ويُعدّ هذا المؤتمر بمثابة النسخة الروسية في مقابل مؤتمر ميونيخ الذي تغلب عليه مقاربة الغرب وحلف «الناتو» للأمن الدولي.
وقد شاركت في المؤتمر الذي نظّمته موسكو 105 دول تقريباً، فيما حضر 35 وزير دفاع وعشرات من رؤساء أركان الجيوش. وكان لافتاً انّ هذه المناسبة ضمّت في وعائها بعض الجهات الاقليمية المتنازعة، وهي السعودية والامارات من ناحية وايران وسوريا و«حزب الله» من ناحية أخرى، لكنّ وجودها معاً للبحث في تحديات الأمن الدولي (مع التركيز على الشرق الاوسط) لم يخفف من وطأة الخلاف الحاد بينها، بل انّ ممثل السعودية عقد على هامش هذا الملتقى مؤتمراً صحافياً شَنّ من خلاله هجوماً عنيفاً على طهران و«الحزب».
أمّا الدلالة الخاصة لحضور النائب علي فياض، فتنبع من كونها المرة الاولى التي تدعو فيها موسكو «حزب الله» الى المشاركة في هذا المؤتمر المختصّ بقضايا الأمن الدولي، الأمر الذي يعكس اهتمام القيادة الروسية بدور «الحزب» وموقعه على مستويي لبنان والجوار الاقليمي، خصوصاً انه كانت لهما تجربة مشتركة في الميدان السوري، الى جانب انّ «مصيبة» السياسات الاميركية تجمعهما على أكثر من خط.
ولم تقتصر «الرسالة الايجابية» من موسكو الى «الحزب» على توجيه الدعوة في حد ذاتها، بل هي انطوَت على بُعد آخر أيضاً تمثّل في حرص نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على استقبال فياض لمدة ساعة ونصف ساعة تقريباً، بعدما كان مقرراً ان تنحصر مدة الاجتماع بنصف ساعة فقط.
وقد تمّ خلال اللقاء عرض شامل للأوضاع التي تواجه لبنان والشرق الاوسط، خصوصاً في ما يتّصِل بأزمة النزوح و«صفقة القرن» التي استحوذت على حَيّز واسع من النقاش بين الرجلين.
وعُلم انّ بوغدانوف عكَس أمام ضيفه اللبناني انزعاجاً كبيراً لدى موسكو من سلوك واشنطن واستمرارها في فرض العقوبات على روسيا.
ورجّح فشل «صفقة القرن» التي تحضّرها الادارة الاميركية وعدم وصولها الى نتيجة، مشيراً الى امتعاضه من الضعف العربي والانقسامات الحادة بين العرب، ومُعرباً عن ألمه حيال الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وتقديم التنازلات المجانية.
وما يجدر التوقّف عنده في هذا السياق هو انّ بوغدانوف أبدى استياءه من تحوير وجهة الاحداث وجوهرها في المنطقة، عبر المبالغة في منحها البُعد المذهبي وصبغها بطابع الانقسام السني – الشيعي، ملاحظاً أنه يتمّ في الغالب تفسير ما يحدث في الإقليم على هذا الاساس، بينما يُبيّن التدقيق في الواقع انّ الأمور ليست على هذا النحو، «وها هي ليبيا تعاني الإضطرابات على رغم من انّ سكانها من لون مذهبي واحد، أمّا القول انّ الحوثيين في اليمن هم شيعة فهو تافه».
وكذلك، عقد فياض اجتماعين مع وزير الدفاع الايراني ونائب وزير الدفاع السوري اللذين شدّدا على أهمية الدعوة الروسية لـ«حزب الله» الى مؤتمر الامن الدولي في موسكو، واعتبرا انّ مشاركته «ضرورية وإيجابية»، واقترحا أن يواظب «الحزب» على حضوره في المرات المقبلة.