لم تمرّ “زلة” وزير الدفاع الياس بو صعب في شأن الاستراتيجية الدفاعية، حينما قال إبان جولته الجنوبية الاسبوع الماضي “طالما هناك أطماع اسرائيلية بأرضنا ومياهنا لا يمكن الحديث عن استراتيجية دفاعية وعن الجيش قوة وحيدة مسلحة” مرور الكرام في الاوساط السياسية والشعبية لا سيما تلك المناوئة لحزب الله وسلاحه وكل سلاح آخر خارج الشرعية، ولم ينفع استدراكه خطورة ما صدر عنه بصفته وزير دفاع لبنان المفترض ان يكون “الصوت الصارخ” لحصر السلاح بيد المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية، اذ صحّح الموقف قائلا “نؤمن ان يكون الجيش الوحيد الذي يحمل السلاح عبر استراتيجية دفاعية بالتفاهم مع الجميع وحوار بين الجميع”.
فانبرى بعض النواب والوزراء الى تذكير الوزير بو صعب بصفته وموقعه، ما اضطره لاحقا الى الاعلان “أن الجميع حريصون على أن تقر استراتيجية وأن يكون السلاح بيد الجيش الوحيد الذي يحمي لبنان في جميع المناطق والحدود”، مؤكداً ان رئيس الجمهورية ميشال عون سيشكل قريبا هيئة حوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية لحصر السلاح في يد الجيش، وأن حزب الله وفرقاء آخرين معنيون بهذا الأمر”.
موقف بو صعب الاولي من الاستراتيجية الدفاعية اعقب تحذيراً اطلقه قبل ايام الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس من احتفاظ “حزب الله” بـ”قدرات عسكرية ضخمة ومتطورة”، داعيا الحكومة والجيش إلى “اتخاذ كل الإجراءات الضرورية” لمنع التنظيم المدعوم من إيران وغيره من حيازة الأسلحة والعمل من أجل تحويله إلى “حزب سياسي مدني صرف”.
وشدد “على أهمية وضع استراتيجية دفاعية عملية بقيادة لبنانية”. وجدد الدعوة للرئيس عون لـ”قيادة حوار لوضع استراتيجية دفاعية تحصر الأسلحة واستخدام القوة بالشرعية، لانها تقع في صميم سيادة لبنان واستقلاله السياسي”. وحذر من أن “تورط حزب الله المتواصل في النزاع في سوريا لا يشكل فقط انتهاكاً لسياسة النأي بالنفس ومبادئ إعلان بعبدا، بل ينطوي أيضاً على خطر إيقاع لبنان في النزاعات الإقليمية، ويشكل خطراً على استقرار لبنان والمنطقة”. وأن انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، ووجود ميليشيات مسلحة، لا يزال يقوض الأمن والاستقرار في لبنان، وعلى حزب الله وكل الأطراف المعنية الأخرى عدم القيام بأي نشاط عسكري داخل لبنان أو خارجه، بما يتماشى مع متطلبات اتفاق الطائف والقرار 1559 .وشدد على معالجة احتفاظ ميليشيات غير لبنانية بالأسلحة (الفلسطينيين) وتنفيذ القرارات السابقة للحوار الوطني في هذا الشأن”.
حتى اللحظة، لم تصدر عن بعبدا اي اشارة الى عزم رئاسي على توجيه الدعوة لطاولة حوار، كان الرئيس عون وعد بعقدها اثر الانتخابات النيابية على ان تنبثق منها حكومة. ولم يلح في الافق اي موقف من الرئيس عون في هذا الشأن فبقي وعد بو صعب يتيماً. في السياق، تسأل مصادر سياسية سيادية عبر “المركزية” عما اذا كان كلام وزير الدفاع مجرد موقف لتغطية “السموات بالقبوات” والتعمية على “خطئه” في حديثه عن الاستراتيجية والاطماع الاسرائيلية، وهو الخيار الاكثر ترجيحاً في ضوء المعطيات المتوافرة في هذا الشأن، ام ثمة مستجد، اقليمي على الارجح، قد يدفع فعلا في اتجاه وضع الاستراتيجية على طاولة الحوار، لمواكبة التطورات الخارجية ورياح التغيير التي لا بد ان تلفح لبنان انسجاما مع التسويات الجاري العمل على نسج خيوطها وحبك تفاصيلها في مصانع القرار الدولي، بما يقتضي جمع السلاح غير الشرعي في مرحلة لم تعد بعيدة ربما؟
ولا تستبعد المصادر المشار اليها ان تكون مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول هوية مزارع شبعا وحزب الله والنظام السوري، على صلة بالمتغيرات المشار اليها، خصوصا ان جنبلاط الذي كان في حال ربط نزاع مع الحزب، انتقل فجأة الى ضفة المواجهة. فهل لمواقفه ارتباط بالمستجدات الخارجية وبالمواقف الاممية والدولية التي تصب كلها في اتجاه واحد، وباتت تحتّم حوارا وطنيا واستراتيجية دفاعية تعيد الإمرة العسكرية للجيش وحده من دون منازع؟