كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:
لم تمرّ تغريدة عضو المجلس السياسي في «التيار الوطني الحر» المحامي وديع عقل في حق متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، مرور الكرام، بل سجّلت حالات امتعاض جامعة لدى الأرثوذكسيين البيروتيين من «التيار» على رغم من التوضيح الذي صدر لاحقاً باسمه.
في 28 نيسان الفائت غرّد عقل على «تويتر» قائلاً: «من صوفي مشلب إلى الإيدن باي مروراً بمخالفات بيروت… يا ليت خطابات المطران عودة عن مكافحة الفساد تتحول أفعالاً إصلاحية تطاول المحميين والمعيّنين من قبله!».
بعد الضجة التي أثارتها هذه التغريدة والحملات المضادة لأهالي بيروت الأرثوذكسيين، أصدر نائب رئيس «التيار» للشؤون الإدارية رومل صابر بعد ثلاثة أيام من الصمت المطبق بياناً تبرّأ فيه من عقل معتبراً أنه «لا يعبّر بأيّ شكل من الأشكال عن موقف التيار، بل هو رأي شخصي، وهو امر سينظر فيه التيار وفق آلياته التنظيمية الداخلية المعتمدة»، لافتاً إلى «أنّ التيار يكنّ كل الاحترام للمرجعيات الروحية اللبنانية، ولا سيما منها المطران عودة».
لكنّ مرجعية أرثوذكسيّة بيروتيّة أكدت أنّ تغريدة عقل «لم تأتِ من العدم وليست مجرد كلام شخصي صادر عنه، فهو عضو المجلس السياسي في التيار وحتماً يمثّل توجهات التيار التي تبدو غير مرتاحة إلى توجهات عودة الوطنية الإصلاحية في كل المحطات والاستحقاقات التي شهدتها بيروت في المرحلة السابقة».
وما هي الخلفيات السياسيّة الحقيقيّة لحملة التيار الحر على عودة؟
تجيب المرجعية الأرثوذكسية بالآتي:
ـ أولاً، يعتبر التيار أنّ عودة يغطي محافظ بيروت زياد شبيب الأرثوذكسي ويحميه من الملاحقة في موضوع تجاوزات «الأيدن باي»، وهذا خطأ كبير وقع فيه التيار، لأنّ عودة لا يغطي أحداً.
ـ ثانياً، لم تدعم مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس في الانتخابات النيابية في بيروت مرشّح «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» نقولا الشماس عن المقعد الأرثوذكسي الذي لم يفز، فيما فاز مرشّح «القوات اللبنانية» عماد واكيم.
ـ ثالثاً، لم يلقَ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الحضن الأرثوذكسي في وزارة الخارجية مع كلامٍ يتردّد في الأروقة السياسية البيروتية عن الانحدار من شارل مالك مروراً بغسان تويني وصولاً إلى باسيل.
ـ رابعاً، لا يمثّل عودة، الخط الروسي الداعم للنظام السوري في الكنيسة الأرثوذكسيّة إذ لم يقم بأيّ زيارة إلى سوريا وبالتالي لا يلتقي مع العمق الاستراتيجي لتوجهات «التيار الوطني الحر» القريب من النظام السوري».
كل ذلك، حمل النائب الأرثوذكسي نزيه نجم إلى إصدار بيان شديد اللهجة في وجه التيار قائلاً فيه: «ندين بشدة الكلام الذي وجّهه عقل في حق المطران عودة الذي يلقى احتراماً كبيراً لدى الجميع بلا استثناء، ومحبة عارمة لدى مختلف شرائح المجتمع. والمطران عودة لم يعمد في أيّ يوم من الأيام إلى حماية أحد من المرتكبين، بل عُرِف بمواقفه ضد الاحتلال والهيمنة على البلد. والمطران عودة لم يَخف لا من محتل ولا من رجل سلطة، فكان الصوت الصارخ بالحق ولا يحتاج إلى شهادة لا من عقل ولا من غير عقل… كما نسأل عن سبب «المسلّة» التي باتت تخرز البعض كلما تحدث شخص عن الفساد ومحاربته، فيهرعون للهجوم عليه بدلاً من الانكباب على الإصلاح. وختاماً نذكّر المتطاولين بأنّ سيادة المطران عودة هو رأس كنيسة الطائفة الأرثوذكسيّة في بيروت وتوابعها وهو مرجعيّتنا، وكنائب عن بيروت وممثل للطائفة الأرثوذكسية في مجلس النواب، أجدّد الرفض القاطع للتطاول على المقامات الروحية وعلى رأسها المطران عودة، متمنّياً التركيز على مكافحة الفساد بدلاً من رمي تهم التخوين على كل مَن ينتقد بالحق».
لكنّ المسألة لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل دعا «تجمّع الشباب الأرثوذكسي» وفعاليات وشخصيات أرثوذكسيّة أمس الأول إلى «وقفة تضامنيّة سلميّة حضاريّة» مع عودة في دار المطرانية، تخلّلها كثير من المواقف الداعمة له مستنكرة الحملة التي استهدفته، الأمر الذي استدعى زيارة عاجلة لوزير الدفاع الياس بو صعب إلى المطرانية بموازاة التحرك الشعبي الأرثوذكسي وامتصاصاً للنقمة التي بدأت تتصاعد.