كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
يعاني كثير من العائلات من تقلّبات ومزاجية المراهق. ودور الأهل في هذه المرحلة العمرية هو تفهّم التغيّرات الحاصلة عند طفلهم الذي يتخبّط ما بين مرحلة الطفولة إستعداداً لدخول عالم الرشد. ومن المشكلات التي يواجهها الاهل في هذه المرحلة هي تناول الطعام كنوعية وكمية. هذه المشكلة تؤثر تأثيراً مباشراً على صحة المراهق الحالية والمستقبلية. لذا، يجب أن تكون متابعة ومحاولة إيجاد طرق لحل مشكلة الطعام من أولويات الوالدين. فما هي مشكلات الطعام التي يعاني منها المراهقون؟ كيف تؤثر نوعية وكمية الطعام على المراهق؟ وما دور الأهل في هذا المضمار؟
بلا طاقة، لا يستطيع الإنسان الإستمرار في الحياة. فهو يستمد طاقته من المأكل والمشرب. لذا، تناول الطعام يومياً كفيل بتقديم السعرات الحرارية الاساسية لإستمرار حياة الإنسان. ومنذ صغره، يقسّم الأهل طعام الطفل إلى ثلاث مرات يومياً: الفطور والغداء والعشاء، إضافة إلى وجبة خفيفة خلال فترة بعد الظهر. كما ينظم الأهل نوعية وكمية هذا الطعام. فلا يجب أن تكون النوعية التي يتناولها الطفل من مصدر غذائي واحد، بل يجب أن تحتوي مختلف الفيتامينات والمعادن، على أن تكون الكمية مناسبة لعمر وجنس الطفل. ولكن كل هذه المعايير تتغيّر خلال فترة «العصيان» أي فترة المراهقة التي يمرّ بها كل إنسان.
تناول الطعام.. ليس إعلان حرب
تواجه معظم العائلات مشكلة مع طفلهم المراهق الذي يهرع لتناول كميات كبيرة من الطعام، الأمر الذي يؤدي إلى السمنة ومشاكلها الصحية، أو حتى يصبح تناول الطعام «عذاباً» له، ما يؤدّي إلى مشاكل صحية ونقص في المعادن والفيتامينات في الجسم.
كما يصبح بعض المراهقين إنتقائيين ويصعب إرضاؤهم بنوعية الطعام. فيهربون من الأطعمة الصحية كالطبخات التقليدية المغذية والغنية بالحبوب والألياف، ويلجأون الى تناول الطعام غير الصحي والغني بالسعرات الحرارية. ويعتمد الأهل في هذا السياق على أساليب مختلفة لإجبار هذا المراهق على تناول «طبخة اليوم» كالتهديد بعدم السماح له بالخروج من البيت والصراخ والضغط النفسي وصولاً إلى الرشوة. وطبعاً كل هذه الأساليب لن تجدي نفعاً لأنّه في حال لم يقتنع المراهق بأهمية تناول الطعام الصحي، لن يُقدم على هذه الخطوة الإيجابية لصحته الجسدية والنفسية.
ونجد الكثير من الأهالي يستسلمون لنزوات طفلهم ويسمحون له بتناول ما طاب له ولذ. وعلم النفس يفسّر سبب هذا الرفض للطعام بإلحاح الأهل تجاه هذه «الطبخة». والمراهق لا يجب إرغامه على شيء، لذا حرية الإختيار هي مفتاح نجاح العلاقة ما بين المراهق الشاب أو الشابة والطعام.
الإفراط في رد الفعل
يتصرّف الأهل عادةً بشكل عشوائي تجاه طفلهم المراهق الذي يرفض رفضاً قاطعاً تناول بعض أنواع الأطعمة. وطبعاً، خلف هذا التصرّف، سلوك نفسي وهو الخوف على طفلهم وعلى صحته الجسدية، والتي تؤثر تأثيراً مباشراً على نموه النفسي. وتبدأ المفاوضات والإصرار لإقناعه بتناول الطعام، وعندما يشعر المراهق بأنه يستطيع التحكّم بأهله من خلال الطعام، ينتصر عليهم ويرفض أكثر، وكأنه يؤكّد على استقلاليته وذاتيته عن أهله من خلال الطعام.
فكما هو يستطيع التحكّم بجسمه من خلال كمية الأطعمة المتناولة، أي يستطيع المراهق أن يزيد من وزنه كيلوغرامات عدة كما يمكنه التحكّم بتناول كميات قليلة جداً من الطعام، وكأن المراهق يريد أن يتحكّم بحياته من خلال طعامه. وهذه الحالة نجدها عند المراهقات أكثر من المراهقين اللواتي يعانين من «الأنوريكسيا» أو «فقدان الشهية العصبي» – وهو إضطراب الأكل – حيث يتسم بخفض كبير جداً لتناول الطعام، ما يؤدي إلى فقدان الوزن بشكل غير طبيعي مع قلق مفرط في اكتساب وزن يرافقه إدراك مشوّه لصورة الذات.
فما هو العلاج؟
هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد الأهل في معالجة مشكلة تناول الطعام عند أولادهم المراهقين:
– يجب أن يكون الأهل قدوة لأولادهم المراهقين. فلا يمكن أن نطلب من المراهق أن يتناول طعاماً معيناً وهم لا يتناولون الطعام نفسه.
– التنويع في الأطعمة التي تحتوي على المكونات الغذائية نفسها، أي يمكن للأم أن تقوم بتحضير طبقين أو ثلاثة من الحبوب، فإذا لم يحب المراهق ذلك الطبق، ربما سيحب الطبق الثاني… فتكون لديه فرصة الإختيار، لأن المراهق لا يحب أن يُفرض عليه أي طلب.
– الإبتعاد عن الإرشادات ودروس الأخلاق قبل أو خلال تناول الطعام.
– عدم مقارنة المراهق مع أخيه أو أخته أو مع أنفسنا. ويعني ذلك، لا يمكن أن يعبّر الأب لطفله المراهق: «أخاك يأكل هذا الطبق، لم أنت لا تتذوقه؟» أو «عندما كنت في عمرك، كان هذا طبقي المفضل…».
– تناول الطعام ضمن العائلة يعزز العلاقات في ما بينهم، كما يساعد المراهق على تناول الأطعمة الصحية على غرار أهله الذين يتناولون الأطعمة نفسها. فالطفل او المراهق يميل بشكل تلقائي إلى تقليد أهله.
– للمدرسة دور أساسي في توعية المراهقين حول أهمية الأطعمة الغذائية والحفاظ على الصحة في عمرهم.
– تحفيز المراهق من خلال مشاهدة افلام وثائقية توعوية حول تناول الأطعمة الصحية وأهميتها لنموه النفسي والعصبي.