في الوقت الذي تُقْرَعُ طبولُ الحربِ من أميركا وإسرائيل ضدّ إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، فإن عناصر المواجهة العسكرية غير متوافرة، رغم أن ثمة في لبنان مَن يعتبر أنه يجب الاستعداد للأسوأ بعدما كانت إسرائيل بعثتْ برسالةِ تهديدٍ للبنان عبّرتْ فيها عن نياتها بقصف أهداف مُحَدَّدَة داخل البلاد، وردّت عليها دوائر لبنانية بأن «أي قصْف داخل البلاد سيجابَه بقصف مماثل على إسرائيل مع الاستعداد للتصعيد إذا فُرِضَ».
وجاء التحذيرُ الإسرائيلي عن طريق فرنسا التي أبلغتْها إسرائيل بـ«مواقع صاروخية مُحَدَّدَة في لبنان تنْوي قصفها». وقد حملتْ فرنسا الردّ بأن «مواقع مماثلة ستُضرب بصواريخ دقيقة، وإذا صعّدتْ إسرائيل بعد الردّ عليها فإن حلفاء لبنان في المنطقة سيكونون ضمن دائرة المشاركة في هذه الحرب إذا اختارت إسرائيل فرْضها على المنطقة».
وبغض النظر عن أن قيادة التنظيم غير الحكومي في لبنان «ترجّح» شخصياً أن «الحرب لن تحْدث»، فإن «سيناريوات أسوأ الاحتمالات قد وُضعت من القيادة العسكرية» كما قال زعيم «حزب الله» في خطبته الأخيرة حيث لم يتردّد في التذكير بـ«غدْر إسرائيل ومكْرها» (لبدء حربٍ مفاجئة).
وقد نوقشت سيناريواتٌ عدة في شأن احتمالات الحرب من القادة العسكريين إذ يملك هذا التنظيم أكثر من 150000 صاروخ بحسب التقدير الإسرائيلي.
ويقول مصدر مطلع إن «في الإمكان إحداث ارتباكٍ حقيقي لأنظمة الاعتراض الصاروخية التي تملكها إسرائيل، وأن ما نسبته 20 في المئة الى 30 في المئة من الصواريخ كافٍ لتحقيق أهدافها وإحداث الضرر المرجوّ وتحقيق توازن عسكري».
أما السؤال فهو: هل يستطيع بنيامين نتنياهو خوْض حربٍ مدمّرة وطويلة الأمد؟… إن حربَ غزة أثبتتْ عكْس ذلك حين وصلتْ الصواريخ إلى عمق تل أبيب.
تملك إسرائيل أنظمةً اعتراضية للصواريخ من نوع «IRON DOME» التي تضم نظام «ARROW» (السهم) ونظام «ثاد» الأميركي و«باراك 8» و «ديفيد سلينغ». إلا أن قدرةَ تل أبيب ستكون محدودةً جداً ضدّ الصواريخ المجنّحة «CRUISE» التي توجد في لبنان. وكذلك قدرتها على حماية منصاتها النفطية والغازية والمرافئ من صواريخ «ياخونت» المضادّة للسفن التي سلّمتْها سورية إلى حلفائها في لبنان، إضافة إلى أن سلاح البحرية وسلاح الطائرات والمروحيات الهليكوبتر وسلاح الجو المحلّق على علو منخفض أو متوسط سيكون خارج الخدمة، لأن كل هذا يقع في مرمى التدمير من الصواريخ الموجودة في لبنان.
وقد تعوّدتْ إسرائيل على مسْرح عمليات لا يتعدى 2000 كيلومتر مربع في جنوب لبنان، وعلى وجود الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، أما الآن فعلى إسرائيل التحضّر لأكثر من 6000 كيلومتر مربّع كمسْرح للعمليات المقبلة بسبب الصواريخ التي انتشرت في البقاع وعلى الحدود اللبنانية – السورية.
أما عن القوى البرية، فهناك احتمالات عدّة أهمها وأصعبها احتمال قيام إسرائيل بالتقدم على خط الجولان – الزبداني لإغلاق الطريق الحدودية بين لبنان وسورية وفرْض الشروط لإعادة فتْحها وتسليمها للقوات الدولية. إلا أن قوات نخبة من سورية وحلفائها موجودةٌ ومتحصنة في مواقعها لمجابهة هذا الاحتمال.
وعند كشْف هذه السيناريوات العسكرية وبعض الخطط التَوَقُّعِية، فمن الممكن أن تكون الرسالة هي الرغبة بتفادي الحرب وإبراز القدرات التدميرية لتقليص حظوظ قيام مواجهةٍ عسكرية مسْرحها لبنان.
أما في إسرائيل، فهناك أصواتٌ تتعالى بأن الجبهة الداخلية غير مستعدّة. إلا أن خبراء عسكريون يعتقدون أن الجبهةَ الداخلية في أي بلدٍ هي دائماً في حالة غير استعداد رغم الإجراءات التي تُتَّخَذ كحد أدنى لحماية السكان أو حتى نقْلهم إلى مناطق أقلّ خطراً.
كل هذا يأتي بكلفة باهظة قد لا تتحملها إسرائيل أثناء الحرب فتذهب مع الولايات المتحدة إلى الخيار الأقلّ خطَراً والمتمثل بـ«الخنْق» الاقتصادي والمالي لـ«حزب الله» الذي قد لا يتأثر في شكل جدي بـ«حرب الخنْق».
وقد أدت العقوبات التي فرضتْها أميركا إلى وقْف تدفق المال الشرعي والتبرعات من الخارج خوفاً من الاعتقال والاتهام بالانتماء إلى التنظيم. وأحدث ذلك ضرراً هامشياً لم يشمل الرواتب التي ما زالت تُدْفَع كما هي لكل المُنْتَسِبين مع استمرار تَمَتُّعِهِم بالخدمات الطبية المجانية، وإضافة إلى ذلك تَقَرَّرَ منْح علاوة قدرها 200 دولار لكل فرد كهديةٍ بمناسبة حلول شهر رمضان في الأسبوع الأول من الشهر الجاري.
إلا أنه من الواضح أن هدف أميركا وإسرائيل من العقوبات دفْع الشعب اللبناني إلى التملْمل ليُتَّهَم «الحزب» بأنه السبب وراء العقوبات والوضع الاقتصادي المتدهور. وتالياً فإنه من المرجح ألا تنْشب الحرب وأن تختار كل من أميركا وإسرائيل الاكتفاء بالحصار الاقتصادي والتكيُّف مع الوضع القائم بأن «الحزب» جزء من المجتمع اللبناني وأنه لن يستخدم السلاح أبداً ما دامت الحروب غير قائمة وغير محتمَلة.