يحتفل العالم في 3 أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة. هذه المناسبة حزينة في العالم العربي في ظل الانتهاكات الجسيمة التي تحصل في حق الصحافيين من قمع وسجن، وقتل حتى. أما في لبنان فيتم التضييق بشكل أكبر كل يوم على الصحافيين، بدلًا من رفع سقف الحريات والسماح بمساحة أكبر للتعبير.
في لبنان، لا يُسجن الصحافي، رغم المحاولات المتكررة أخيرًا، أبرزها الحكم الصادر بحق الصحافي آدم شمس الدين والآخر بحق الصحافي فداء عيتاني. لكن الدعاوى “ماشية”، وآخرها بحق الإعلامية نوال ليشع عبود… كل يوم تقريبًا ثمة دعوى بحق صحافي وغرامات يتكبدها بسبب نص كتبه تناول سياسيًا أو انتقد آخر. وشهد العام الماضي محاولات تضييق إضافية على الصحافيين وغير الصحافيين، حتى أصبحنا نتعاطى مع حرية التعبير وكأنها ترف لا مكان له في هذا البلد.
يُسأل، أحيانًا، ما قيمة حرية الصحافة في بلد لا مسكن وملبس ومأكل فيه لبعض مواطنيه؟ ما هذا البذخ في المطالبة بحرية الصحافة في بلد لا فرص عمل فيه، في بلد على شفير الانهيار اقتصاديًا، والبطالة آخذة بالارتفاع فيه؟ هذه أسئلة مشروعة، لأن المطالبة بحرية الصحافة ترف فعلًا في بلد لا حقوق للإنسان فيه، حيث يفضّل الكثيرون العيش في دولة تؤمّن لهم طبابة مجانية على حساب صونها حقهم بانتقاد زعيم ما. لكن سؤالًا آخر يُطرح: هل نصل يومًا إلى البلد الذي نحلم به إذا لم يكن ثمة صحافة حقيقية فيه تعمل وتراقب وتسائل وتحاسب؟
عندما يعمل الصحافي بصدق وإخلاص للحقيقة، ويبتعد عن المحسوبيات السياسية وعن كونه مجرد بوق إعلامي، يصبح من الممكن محاسبة السياسي الذي يخطئ بدلًا من التعتيم على أفعاله، ويصبح انتقاده ليس مجرد “رفع عتب” متفق عليه مسبقًا لحفظ ماء الوجه. وعندما يعمل الصحافي بأخلاقيات المهنة وليس سعيًا وراء الـ”سكوب”، تصبح أي قضية اجتماعية تُعالج بطريقة علمية وصحيحة بدلًا من أن تكون مجرد مادة إعلامية أخرى لجذب المشاهدات، تُنسى في اليوم التالي.
في لبنان، لا تشكّل الصحافة أي تحدٍّ للسلطة الحاكمة، بل هي مجرد أداة بيدها في أغلب الأحيان. السياسي لا يهاب الصحافي، لأنه يعرف أن ثمة سقفًا لن يتجاوزه الأخير. السياسي لا يهاب أن يطرح أمامه الإعلامي أي ملفات متهم بها، فجل ما يُحكى في المقابلات التلفزيونية يكون على نسق: “ماذا ترد على فلان الذي اتهمك بكذا وكذا”؟، ويكون الرد سياسيًا.
الصحافي يخضع للكثير من الضغوط الفوقية، والرقابة الذاتية، في بلد يحكم السياسيون ورجال الأعمال كل مفاصله، وإن أراد “تهريب” مادة ما، ونجح بأعجوبة، يصطدم بالقضاء الذي يحاسبه على “التجرؤ” والتطرق إلى مادة ما تخص أي سياسي أو “راس كبير” في الشأن العام.
اليوم، أصبحت “التنقية” ضرورية داخل الجسم الصحافي للانطلاق بمسار حقيقي والوصول إلى لحظة يمكن للصحافة اللبنانية الاحتفال بحريتها كما كانت تفعل سابقًا. فوزير إعلامنا ليس من أكبر المعجبين بعمله الجديد، ونقابتا الصحافة والمحررين لا تمثّلان أي صحافي عادي، والمؤسسات الإعلامية مؤسسات للسياسيين ورجال الأعمال، تنطق باسمهم وتعمل بمصالحهم.
من يقرر العمل الصحافة يعرف مسبقًا أنه لن يصبح مليونيرًا بفضلها، ولن يبني قصورًا بمدخوله في مؤسسة إعلامية عادية، إلا أن الحالة اللبنانية تستدعي سؤالًا لبعض الصحافيين، قبل بعض السياسيين: “من أين لك هذا؟”