كتبت سينتيا عواد في “الجمهورية”:
ساعات قليلة تفصلنا عن بدء شهر رمضان المبارك الذي يتمّ خلاله الصوم تقريباً من 16 إلى 18 ساعة يومياً، وهي مدة طويلة تستدعي التعامل معها بحذر وذكاء على الصعيد الغذائي لحماية الجسم من أي مشكلات قد تكون جدّية للغاية.
بهدف توفير صوم صحّي طوال رمضان، أجرت «الجمهورية» حديثاً خاصاً مع اختصاصية التغذية، ، التي أشارت بداية إلى أنّ «هذا الشهر المبارك يشكّل فرصة ممتازة للتخلّص من العادات السيّئة، والشهيّة على مواد معيّنة كالسكر والنيكوتين والكافيين والدهون. أكدت الدراسات أنّ هذه الفترة تملك فوائد صحّية كثيرة، بحيث أنّ الصوم ومن ثمّ الإفطار على مأكولات صحّية يقلّل من نسبة الكولسترول في الدم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستوى السكر أيضاً، ويسيطر على معدل ضغط الدم، ويحرق المزيد من الدهون».
وشدّدت على «ضرورة الحرص على خفض التدخين، والكافيين وغيرها من المواد المعتاد عليها قبل أيام من بدء رمضان كي لا يشعر الشخص بالانزعاج عند بدء الصوم. كذلك يجب معرفة أنّ الهدف من النظام الغذائي الصحّي ليس خسارة الوزن، إنما توفير كافة العناصر الأساسية، خصوصاً البروتينات، والنشويات، والخضار. يجب إذاً اعتماد الطريقة ذاتها خلال رمضان، ولكنّ الاختلاف الوحيد سيكون في التوقيت. فخلال الأيام العادية من السنة يتمّ تقسيم الوجبات إلى فطور، وسناك، ثمّ غداء، وسناك، وعشاء. أمّا في رمضان فيجب البدء بسناك، يليه الطبق الأساسي، ثمّ سناك، وأخيراً السحور».
الإفطار
كيف يجب التصرّف عندما يحين موعد الإفطار؟ أجابت بيضون انّ «المطلوب بدء الأكل بوعي وبشكل تدريجي تفادياً لعسر الهضم وأوجاع المعدة التي تكون شائعة جداً بسبب الأكل سريعاً وغياب التنظيم. يجب تناول الطعام ببطء، وتوفير 10 دقائق بين الطبق والآخر. ولقد توصّلت الأبحاث العلمية إلى أنّ إشارات الشبع تحتاج إلى نحو 20 دقيقة حتى تخرج من المعدة وتصل إلى الدماغ. من هذا المنطلق، يجب كسر الصوم بكوبٍ من المياه لتليين المعدة، ثم أخذ حبّتين من التمر لرفع معدل السكر في الدم قليلاً وبالتالي منح الجسم الطاقة التي يحتاج إليها. بعدها، يجب تناول الحساء لإعادة الترطيب بالسوائل والمعادن، وأيضاً لأنّ المعدة لم تحصل على أي طعام منذ ساعات طويلة. من المهمّ أن تكون الشوربة صحّية، أي ألّا تحتوي كثيراً من الدهون، مثل شوربة العدس أو حساء الخضار مع الدجاج. بعد ذلك يمكن الانتقال إلى سَلطة الخضار، التي تكون غالباً عبارة عن فتّوش. وهنا لا بدّ من الاكتفاء بكمية ضئيلة من الزيت لتَجنّب السعرات الحرارية المرتفعة، بما أنّ كل ملعقة صغيرة منه تؤمّن 45 كالوري. يجب الاستمتاع بالشوربة قبل السَلطة لأنّ الخضار النيئة تتطلّب طاقة أكثر لهضمها، ما يشكّل ضغطاً على المعدة».
وتابعت: «عند الانتهاء من السَلطة والاستراحة قليلاً، يمكن تناول الرقاقات المحشوّة بالجبنة أو الخضار شرط الاعتدال فيها، أي 2 إلى 3 حبّات، مع الحرص على شَويها بدلاً من قَليها تفادياً للكالوريهات الفارغة. أمّا الطبق الرئيس فيجب أن يكون محضّراً بقليل من الزيت وبعيداً من الدهون السيّئة كالسمنة. وفي حال توافر خيارات عدّة، يُستحسن الاكتفاء بصنف واحد لمنع الإفراط في الكمية».
المشروبات والحلويات
من جهة أخرى، لا يمكن غضّ النظر عن المشروبات الرمضانية، كالجلّاب والتمر الهندي وقمر الدين، التي تحتلّ مساحة كبرى على مائدة الطعام. وتعليقاً على هذا الموضوع، قالت بيضون: «إنّ هذه السوائل لها فوائد كثيرة، بحيث أنّ الجلّاب على سبيل المثال هو مضاد للأكسدة ويشكل مصدراً طبيعياً للسكر بما أنه مصنوع من الدبس. ولكنه في المقابل مشبّع بالسكر، وبالتالي فإنه قد يرفع معدل السكر في الدم ليُهدّد تحديداً مرضى السكري، خصوصاً أنّ عدم تحضيره في المنزل قد يزيد من احتمال احتوائه على صبغات. يجب إذاً احتساء هذه المشروبات باعتدال تام والاكتفاء بنصف كوب منها، والانتباه إلى أنّ المكسرات المضافة إلى كل كوب ترفع السعرات الحرارية أكثر لتتراوح بين 200 إلى 350 كالوري، ما يهدّد بزيادة الوزن والبدانة. يبقى الأمثل ترطيب الجسم بالمياه التي يجب شربها بانتظام، جنباً إلى المشروبات العشبية، والحامض مع النعناع».
وفي ما يخصّ الحلويات، أكّدت أنها «غنية جداً بالسكر والدهون، وبالتالي لا مفرّ من الاعتدال. الأفضل تجنّبها عندما يحين موعد السناك، واستبدالها بالفاكهة كالتمر أو البطيخ أو كوب من عصير الفاكهة الطازجة، علماً أنه يُستحسن تناول حصة فاكهة كاملة لغناها بالألياف وقلّة سعراتها الحرارية مقارنةً بكوب من العصير».
السحور
بعد مرور وقت على الإفطار والسناك، سيَحين موعد تناول وجبة أساسية جداً يجب عدم حذفها وتجاهلها، تُعرف بالسحور الذي هو أشبه بالفطور. وفي هذا السياق، أفادت خبيرة التغذية أنّ «الوقت بين الأكل والنوم قد يكون قليلاً، ولكنّ هذه الوجبة ستحارب الجوع والعطش خلال ساعات الصوم المقبلة. الأفضل الابتعاد عن المنقوشة لغناها بالكالوري والدهون، وتعويضها بأكل خفيف على المعدة مثل ساندويش جبنة أو لبنة مع خضار. يجب أن يجمع السحور بين البروتينات (بيض أو ألبان)، والكربوهيدرات المعقدة (خبز القمح الكامل) لتوفير الشبع أكثر ومنع الإصابة بالإمساك والتحكّم بالسكر في الدم خلال ساعات الصوم. إضافةً إلى التركيز على الخضار لترطيب الجسم (بندورة، وخيار)، واحتساء كمية جيّدة من المياه. وفي المقابل يجب الابتعاد عن المأكولات المملّحة لأنها ستعزّز العطش في اليوم التالي مثل الكبيس، والزيتون، والمكسرات، والأطعمة المعلّبة، والأجبان، والمواد الغنيّة بالبهارات».
نصائح ذهبيّة
وختاماً، قدّمت بيضون مجموعة توصيات أساسية يجب أخذها في الاعتبار عموماً وخلال شهر رمضان خصوصاً، أبرزها تفادي كل من الزبدة، والسمنة، واللحوم الغنيّة بالدهون، ومشتقات الحليب الكاملة الدسم، والمقالي. كذلك من المهمّ اعتماد طريقة الشَوي مع قليل من الزيت، والاستعانة بالأكواب والملاعق المُعدّة لقياس كمية الطعام، والاعتدال في استعمال زيت الكانولا في الطبخ وزيت الزيتون في السَلطة، وتناول صدر الدجاج المنزوع الجلد بما أنّ هذا الجزء يكون غنيّاً بالهورمونات والدهون، والتركيز على السمك المليء بالأوميغا 3 والزيوت الصحّية المهمّة للجسم، والإكثار من الخضار للحصول على الألياف وتوفير استقرار معدل السكر في الدم وتفادي الإمساك».
ودعت الأشخاص الذين يَشكون من مشكلات صحّية، خصوصاً مرضى السكري، إلى «التحدث إلى الطبيب أولاً الذي سيحدّد إذا كان بإمكانهم الصوم خلال رمضان بما أنهم قد يتعرّضون لهبوط في معدل السكر في الدم قد يزيد وضعهم سوءاً، جنباً إلى استشارة اختصاصية التغذية لتنظيم وجباتهم بطريقة آمنة».